من قراءة جيل الوسط لتاريخ مصر المعاصر

من قراءة جيل الوسط لتاريخ مصر المعاصر
شريف عطية

شريف عطية

6:41 ص, الخميس, 9 يوليو 20

مصر فوق سلك مشدود بين الصراع الأميركى – الروسى المتجدد

تتنقل سياسة مصر الخارجية طوال سبعة قرون خلت، بما زخرت به خلالها من التاريخ الأليم فيما بين الولايات المتحدة وروسيا، من حيث تقديمهما السلاح والتدريب لكل من الحلفاء والخصوم والبدلاء ممن تلطخت أياديهم بدماء بعضهم البعض، إذ اتجهت القاهرة من منتصف الخمسينيات إلى موسكو، تجنبا بمصالحها عن الإخلال بثوابتها منذ نهاية الأربعينيات.. لرفض الانضمام إلى الأحلاف العسكرية الغربية التى لم تتوان من جانبها عن خوض أكثر من حرب – لعقدين متواليين- بهدف استعادة مصر فى إطار الاستراتيجية الأميركية فى العام 1974، وإذ رغم قيام فريق الأمن القومى الرئاسى لمصر آنئذ برصد مسح مقارن لعلاقتها مع كل من القوتين العظميين، لم تكن حصيلتها لجانب السياسة العدوانية للولايات المتحدة، لولا أن انحازت تعقيدات قضايا الحرب والسلام بالقاهرة إلى التماهى مع «شراكة كاملة» أميركية، ومن ثم لإلغائها معاهدة الصداقة والتعاون مع موسكو 1975، بما فى ذلك الانصياع لخط أحمر أميركى يتحفظ على (راديكالية) العلاقة بين القاهرة وموسكو، الأمر الذى رفعته واشنطن عن مصر، بالتزامن مع الانفراج العام الأميركى غير المحدود مع موسكو 1989، مما أعاد العلاقات الدبلوماسية المقطوعة بينها وبين القاهرة، لكن على استحياء.. حال دون تطورها عمق التورط للشراكة المصرية مع الولايات المتحدة.. التى انحازت فى العام 2011 لجهة إسقاط النظام الحليف لها فى مصر لصالح ما توهمته من ديمقراطية واعتدال جماعة الإخوان المسلمين التى أزاحتها عن الحكم ثورة شعبية مؤيدة من الجيش منتصف 2013، كتوقيت مواز لاستئناف مرحلة إيجابية للتعاون مع موسكو، استحدثتها منظومة 2+2 بين وزيرى الخارجية والدفاع للبلدين.. قبل أن تتطور إلى مختلف المجالات الأخرى، حرصت مصر على اتقاء مردود سلبى لها على علاقتها مع الإدارة الديمقراطية الأميركية التى واصلت سياستها الاستفزازية منذ 2011، إلى ما قبل اعتلاء الإدارة الأميركية الجمهورية الحكم فى 2017 التى شهدت علاقتها مع الإدارة المصرية فترة من الاستقرار الغائب بينهما طوال العقد الأخير، من غير المؤكد استمرارها فى حالة عودة الإدارة الديمقراطية للبيت الأبيض 2021، كما ليس من المؤكد التنبؤ بما سوف تكون عليه العلاقة الثلاثية بين مصر وكل من القوتين الأعظم من حيث طبيعة غيرتهما الدبلوماسية للاستئثار بالقاهرة، خاصة مع ما يبدو عليهما من تجدد مسار تصادم جيوسياسى مباشر بينهما، ما يوجب على مصر التنبه لعدم التورط فى أتون توابعه التنافسية المحتملة، كما سبق وأن حصل فى الربع الثالث من القرن الماضى، حين كانت مصر فى مرمى كرة النار الأميركية.. كما ضمن دوافع روسية للانتقام من الأميركيين، الأمر الذى يضاف إليه راهنا.. مدى التقارب أو التناظر مع كل من أنماط وقيم الديمقراطية الغربية المهددة ليبراليتها – مؤخرًا – بالتعصب «الشعبوى» أو فى اتجاه الشرق مع نموذج الديمقراطية البيروقراطية من حيث الامتداد اللاليبرالى غير الآجل رئاسيًّا فى كل من روسيا والصين – مثالاً، وعن علاقة هذين النمطين السوسيولوجيين بما تفرضه.. توابع موجات الربيع العربى المتتالية على دول عربية متعددة منذ 2011، وفى شكل حروب طاحنة أحياناً أو من خلال إصلاحات دستورية قانونية فى أحيان أخرى، خاصة مع ما تعانيه المنظومة العربية من نقص المناعة، لأسبابها، توظفه الجارات الإقليميات غير العربيات وفقًا لمصالحها، الأمر الذى يحدده من جانب آخر العلاقة بين تحركات السياسات الخارجية العربية وبين القوى العظمى التى تتصارع بدورها، أو تتوافق، مع الأهداف الإمبريالية للقوى الإقليمية خلال هذا العقد الزمنى العصيب فى التاريخ العربي، أشبه ما يكون – ربما – بالقارة الأوروبية فى أعقاب الثورة الفرنسية العاصفة، التى وإن انتهت بتصدير التقدم العلمى والاقتصادى للقارة الأوروبية، إلا أن الأمر قد يختلف اليوم بالنسبة لمنطقة الشرق الأوسط التى لا تزال كما أوروبا فى الأمس البعيد- مسرحًا تتصارع فى جنباته الهويات والطموحات القومية ومشروعاتها السياسية، ناهيك من مجاهدة الأقليات كيلا تذوب فى أتون الإمبرياليات الإقليمية والدولية المتنافسة على أرض المتاعب فى الشرق الأوسط.. حيث يتداخل الإقليمى مع الدولى فى السعى لأدوار متميزة، إذ تحتكر الولايات المتحدة الأساليب التجريبية للصراع العربى الإسرائيلي، سلمًا وحربًا، فيما تستعيد روسيا بعد سابق طرد نفوذها من عملية التسوية فى منتصف السبعينيات، أوضاعها فى شرق البحر المتوسط سبتمبر 2015، كقوة سياسية وعسكرية ثابتة، تتماس (وإيران).. عبر سوريا مع حدود إسرائيل الشمالية، كما تقوم بتدريب الأجهزة الأمنية الفلسطينية، فيما تلعب تركيا دور العراب المرابى، سواء بين وشنطن وموسكو لصالح أحلامها التوسعية فى الإقليم (..) أو مع إيران شمال العراق، ناهيك عن دعمها المشترك مع إسرائيل فى دول أعالى الأنهار )النيل والفرات)- سدّ أتاتورك، وسد النهضة- للتحكم فى الحصص المائية لكل من العراق وسوريا والسودان ومصر، إلى آخر تلك النزعات الإقليمية العدوانية بالتوازى مع الحروب التجارية وبالوكالة إلى فرض العقوبات على المستوى الدولي، سواء بين أميركا وكل من روسيا والصين، أو نحو فك الارتباط العسكرى الأميركى مع أوروبا، كما بالنسبة لضغوط الكونجرس لـ«محاسبة روسيا»، ناهيك عن الخلافات الأميركية مع منظمات دولية، وإلى تصعيدها التوتر فى منطقة الشرق الأوسط وتعميق انقساماتها، التى لا تغيب عنها روسيا والصين وفقًا لمصالحها، وفى إطار التنافس مع أميركا، ذلك فيما لا يزال «الاتحاد الأوروبى طرفًا يبحث عن هوية لا يعرف أى دور يريد أن يلعبه فى الشرق الأوسط، إلا ربما من مسار ثالث، وفقًا للدبلوماسية الأوروبية، عليها اختراعه للدفاع عن مصالحها، على ألا تكون حربًا باردة ولا مرونة ساذجة، وبحيث يمكن القول فى خضم هذه التقاطعات السياسية والعسكرية لكل من الإمبرياليات الدولية والإقليمية، أن موسكو بحسب الدبلوماسية الروسية- تعتبر مصر من واقع تطور علاقاتهما منذ الخمسينيات- وراهنًا- بمثابة الشريك الأكبر لها فى العالم العربى وأفريقيا، ما يعيد تأكيد نتيجة الرصد الحسابى لفريق الأمن القومى المصرى الرئاسى 1974 – إلى جانب الحرص على دعم العلاقات مع روسيا- ذلك من فوق سلك مشدود يربطها – فى الأمس واليوم – بالصراع الأميركى الروسى المتجدد.