من تراب الطريق(873)

من تراب الطريق(873)
رجائى عطية

رجائى عطية

7:24 ص, الأربعاء, 10 يونيو 20

سعد زغلول نصار ورسالة الإذاعة وميلاد التليفزيون

ج

واقع الأمر أن عالم سعد زغلول نصار كان عالمًا واسعًا مترامى الأطراف، متنوع البقاع، ضرب فيه بمعوله وزرع فى تربته وأنبت أشجارًا باسقة فى الفن والأدب، وفى القص والدراما، وفى المسرح والنقد، وفى الترجمة والسياسة، وفى أدب الرحلات والقضايا الإنسانية .

بهذا الزاد، وبموهبته الفياضة ـ دخل سعد زغلول نصار إلى دنيا التليفزيون واثق الخطوة.. سواء فى تأليفه للدراما التليفزيونية التى تواصل عطاؤه فيها بجوار الدراما الإذاعية والكتابات المسرحية، أم فى برنامجه التليفزيونى الأسبوعى الذى جعـل يديره « حول العالم » فى السبعينيات، أم فى قراءته لنشرات الأخبار التى جمع فيها بين حضور «الصورة»، وبين تمكن الإلقاء لغةً ونحواً وأداءً.

تعددت وتميزت أعماله الدرامية للتليفزيون، مثلما تميزت أعماله الدرامية للإذاعة.. حبته مخيلته مع تراكماته الثقافية، بمقدرة حاضرة على القص والحكى، وعلى النسج الدرامى، وعلى إتقان السيناريو إتقانه للحوار الإذاعى.. كتب للتليفزيون تمثيلية «السندباد» وتمثيلية «طلع البدر علينا».. تحكى السيرة النبوية حتى الهجرة إلى المدينة واستقبالها للرسول عليه السلام وصاحبه أبى بكر بنشيدها المأثور: طلع البدر علينا: من ثنيات الوداع.. كثيرا ما يعيد التليفزيون عرضها فى عيد الهجرة.. والدراما التاريخية الإسلامية هى ميدان زغلول الذى لا يبارى فيه، أتقنه وأبدع فيه للتليفزيون مثلما أبدع للإذاعة.. لم يغفل فى كتابته للتليفزيون الدراما الاجتماعية، فكتب تمثيلية (تأليف وسيناريو وحوار) عن مصر المحروسة، تدور أحداثهـا فـى قالب اجتماعـى تخير لأحداثه الرئيسية «شارع المحروسة»، وكتب «تداعيات مع الأرقام» وهو مسلسل اجتماعى فى (30) حلقة، ملىء بنظرات إنسانية واجتماعية تورى بموسوعيته وتمتعه بكاميرا لاقطة تقع على الآفات الاجتماعية، وتستخرج المشاهد الموحية من خضم الحياة.. وكتب عن الثورة العرابية مسلسل « فرسان التراب الأسمر» الذى أرجو أن أحدثك عنه لاحقا، وأدار نسيج التمثيلية التليفزيونية فى براعة فنية عركتها السنون والخبرة الطويلة التى أتيحت له عبر العديد من الأعمال الدرامية التى كتبها للإذاعة المصرية وللإذاعات العربية ثم للتليفزيون المصرى.

غنى عن البيان أن لغة التجسيد التليفزيونية تختلف عن لغة التجسيد الإذاعية.. فالعمل الإذاعى لا يصافح إلاّ الأذن، واعتماده محصور فى المستويات والطبقات والمؤثرات السمعية، بينما العمل التليفزيونى موجه إلى العين والأذن، لذلك كانت الصورة عاملا إضافيا يستدعى معرفةً وإتقانًا لكل وسائل التجسيد البصرى من كاميرا وتصوير ومناظر وألوان وحركة ومؤثرات بصرية، فضلا عن المؤثرات الصوتية التى تظل عنصرا حاضرا فى العمل التليفزيونى وإن كان بأسلوب مختلف.. يحتاج مؤلف التليفزيون، وكاتب السيناريو بعامة، إلى قدرة واسعة على تخيل وتجسيد الصورة وما يستلزمها من حركة وزوايا الكاميرا، ومكونات المناظر، وحركة الأشخاص داخـل الكادر على الشاشـة.. واعتقادى مما شاهدته من أعمال تليفزيونية لسعد زغلول نصار أو قرأته مما ألفه وكتبه من سيناريوهات، أنه يمتلك ـ بخصوبة لافتة ـ موهبة الخيال والتصوير البصرى، مثلما امتلك موهبة التجسيد السمعى، وكانت أعماله ولا تزال إضافة إبداعية فى المضمارين.

www. ragai2009.com

[email protected]