مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (18)
ويبدو أن حياة فاروق الزوجية لم تنج من هذا الشطط، وسرعان ما حط عليها الفشل والإخفاق بعد مولد الأميرات الثلاثة.
والأغرب أن الملك إذ طلق فريدة ــ أم بناته ــ بعد زواج عشر سنوات، أخذ يطلب فتوى تحظر عليها الزواج من رجل آخر !
ما الذى أدى لكل هذا ؟!
إن الشعب المصرى لم يستقبل فاروق بالهتاف التقليدى فقط : مات الملك.. عاش الملك، وإنما استقبله الشعب بالأغانى والأناشيد والحب والأعلام والصور، وأهم من ذلك كله المشاعر الصادقة تجاه هذا الشاب الصغير الذى كان كل أب يرى فيه صورة ابنه، وكل أم تراه كأنه ولدها، وكل فتى أو فتاة يرى أنه أخ.
لقد خيل للكثيرين ــ فيما يورد مرتضى المراغى ــ يوم عودة فاروق إلى مصر بعد وفاة أبيه أحمد فؤاد، أن البلابل كانت تغرد فى أوكارها، وفوق أغصان الشجر، وأن أمواج النيل العظيم كانت تتدافع راقصةً فى طرب.. ولكن ما هى إلاَّ سنوات قليلة حتى كفت البلابل عن تغريدها، وما جت وهاجت أمواج النيل، واكفهر وجه الشمس من هول ما أصبح يصنعه طفل الأمس الجميل وصبيه ذو الوجه الباسم البرىء.
أين الأمس من الغد ؟ ولماذا تغير الحال ؟!
لقد كان يطل على الشعب من شرفات قصر عابدين فيخيل لهم وجه ملاك، وما إن يرونه حتى تنشق حناجرهم من الهتاف وتدمى أكفهم من التصفيق.
ولكن ما هى إلاَّ سنوات قليلة حتى جاء اليوم الذى يرون فيه وجه الشر يطل عليهم فتنحسر أبصارهم وتغار عيونهم أسفًا وحزنًا.
ومن المتناقضات أن فاروق لم يحاول استرجاع ما فقد.. وإنما على العكس اندفع فى عبثة غير عابئ بشعبه الذى أحبه متحديًا مشاعره.
ويرى مرتضى المراغى أن تترس فاروق فى ممارساته، كان يعتمد على صلته بكبار الضباط أمثال حيدر وعمر فتحى وعثمان المهدى.
كان حال فاروق مع الجيش ـ فيما يورد مرتضى المراغى ـ حال زوجة عابثة مستهترة لا تلوى فى الغواية على شىء ؛ ولا تأبه بزوجها لأنها تظن أنه يحبها، وأنه مهما كثر كلام الناس عنها فإنه سيضرب بكلامهم عرض الحائط، ثم تمضى فى فجورها حتى يجىء يوم يدخل عليها الزوج وفى يده قسيمة طلاق لا رجعة فيه طالبًا منها أن تحزم حوائجها وترحل بلا عودة.
لقد سئل المرحوم حسين هيكل باشا الوزير ورئيس مجلس الشيوخ السابق ـ سُئل فى المحاكمة التى أجرتها له محكمة الشعب : لماذا كنتم تسكتون أيها الساسة عن تصرفات فاروق ؟
وكان رد هيكل باشا : لأننا كنا عاجزين أمام الجيش !
ولم يكن فاروق يأبه لما يدور من جدل حول السلوك الخاص بالرجـال الذين يتولون مناصب عامة، وهل حياتهم الخاصة ملك لهم لا شأن للناس ولا للمجتمع بها، أم أن من تناط به أعباء عامة لا يملك حياته الخاصة، لأنها ملك للمجتمع، وعليه أن يسلك سلوكًا بعيدًا عن الشائبات، وكان فاروق يرى أن من حقه أن يفعل ما يرضى شهوته علنًا أو سرًّا، وقد زيّن له ذلك وأفتى به أحمد باشا حسنين رئيس ديوانه، وأباح له أن يذهب إلى نادى السيارات ليلعب الميسر، وإلى الأوبرج ليشاهد الراقصات ويجلس معهن، وكان هدف أحمد حسنين من ذلك أن ينصرف الملك فاروق عن النظر فى شئون الدولة لتكون فى يده هو، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فهو يعلم أن فتواه تلك توافق هوى فى نفس الملك فاروق.
وكان أحمد حسنين هو رائده فى لندن حين كان ولى العهد، ورائده الآخر هو اللواء عزيز المصرى. أما هذا الأخير فكان عسكريًّا صارمًا لا يسمح لفاروق بالعبث، ولكن أحمد حسنين وفاروق كانا ينتهزان نوم عزيز المصرى المبكر ليفرَّا من نافذة الفيلا، وليتوجها إلى المراقص ودور اللهو ويعودان مع الفجر قبل أن يصحو عزيز المصرى.
لقد انطلق فاروق فى لهوه، وكان يشاهد فى أغلب الأحوال بصحبة نساء، ودارت الشائعات عنه بأن فراشه لا يخلو ليلة من غانية، سواء أكانت راقصة أم غير راقصة. وغالت الشائعات حتى فاقت الخيال.
فهل كان فاروق ذئبا فتاكًا ؟!
www. ragai2009.com