مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (11)
طفق مرتضى المراغى يجمع قصاصات متباعدة، ولكنها تشير كلها إلى فاروق:
** حديث فاروق إلى السلطانة ملك وإشارته إليها بضرورة أن يتعرض البلد لشئ خطير جدًا حتى يمكن إنقاذه!
** وليمة فاروق المفاجئة التى أقامها يوم السبت 26 يناير ظهرًا ووجه إليها الدعوة بالتليفون يوم الجمعة قبلها بيوم واحد وهو ما يخرج على كل تقاليد.
** الأشخاص المدعوون لهذه الوليمة والذين يمكن وصفهم بأنهم المسئولون فى الجيش والبوليس عن أمن مصر والقاهرة على وجه الخصوص.
** استبعاد وزيرى الداخلية والحربية من هذه الوليمة وعدم توجيه الدعوة إليهما مع أن المفروض أن يكونا موجودين!
** اشتراك بعض ضباط الجيش والجنود فى المظاهرات التى جرت يوم 26 يناير مما عكس اتحاد الجيش والبوليس لأول مرة فى مظاهرة مع الشعب.
** عدم معاقبة هؤلاء الجنود فيما بعد بمعرفة قيادة الجيش رغم المدلول الخطير الذى يعكسه تصرفهم.
** كلام رئيس الديوان الملكى حافظ عفيفى ورسالته غير المباشرة إليه إلى المراغى من فاروق بأن يغلق ملف التحقيق فى حريق القاهرة ولا يجهد نفسه فى البحث عن جناته.
كل هذه القصاصات ماذا تعنى غير أن فاروق كان نفسه وراء هذا الحريق؟!
** رجاء وزير الداخلية الملح لقائد الجيش بنزول الجيش للسيطرة على الموقف ؛ وتأخر تنفيذ هذا الرجاء ثلاث ساعات كاملة، ثم تمييع الموقف بعد نزول الجيش بحيث ظهر عندما نزل أنه شريك ومؤيد لما يجرى، ولم يطلق رصاصة واحدة حتى على سبيل التهديد أو التخويف إلاَّ على الحادية عشرة مساء وبعد أن تم الخراب والدمار.
** تمسك قيادة الجيش بأن يكون لها وحدها حق سؤال هؤلاء الجنود وعدم فرض أية عقوبة على أحد منهم رغم المدلول الخطير الذى يعكسه تصرفهم.
** محاولات أجهزة المباحث وبالتلفيق اتهام أحمد حسين والحزب الاشتراكى ( مصر الفتاة ) بأنه العقل المدبر والمنفذ، وهى محاولة كان واضحًا منها التخلص من خصم عنيد لفاروق ولحزب الوفد الحاكم فى وقت واحد.
ويرى مرتضى المراغى، وهو غير متهم بالانحياز ضد الملك فاروق الذى كان وراء توليه وزارة الداخلية يرى أن هذه القصاصات المتناثرة تؤكد أن الملك فاروق كان نفسه وراء هذا الحريق لاتخاذه ذريعة للتخلص من حكومة الوفد، وقد نجح فى تحقيق غرضه، ولكن دون أن يدرك أنه وضع اللغم الموقوت تحت عرشه الذى تم نسفه فى 23 يوليو من نفس العام!
ومن المفارقات أن يكون حريق القاهرة يوم السبت 26 يناير..
وأن يكون خروج الملك من مصر يوم السبت 26 يوليو..
ولكن يبقى السؤال: لماذا أراد فاروق إخراج الوفد من الحكم؟!
يشير المراغى قبل تصديه للإجابة على هذا السؤال، إلى منشور سرى تم ضبطه بعد الحريق.. كان يوزع داخل القوات المسلحة.
يقول المنشور الذى ينقله المراغى بنصه:
«من عليه الأمل معقود؟
إنه الجيش.
«وهو فى الدرجة الأولى من الاعتبار ذو الأمل المنشود، يضاف إليه عنصر آخر هو عنصر البوليس.
«بورك فسادكم أيها الرأسماليون. فقد ساعدتم الخطة على الكمال.
«وتنمو العلاقة وتتوثق ربطتها. وتعمل جمعية الضباط الأحرار من شباب الجيش فى إخلاص ودقة.
«إن جنود الجيش من أبناء الشعب وهم يفهمون الجندية على أنها حكم قاس من أحكام القدر الظالم.
«أخانا عسكرى الجيش يجب أن تفهم أن الجندية هى حكم رهيب لقدر ظالم جبار. هذا هو ألف باء العلم.
«الجندى يقول له الضابط فى دروس المعسكر: اسمع يا عسكرى أنت وهو، أنا ضابط أبويا ليس باشا. أنا مثلك آكل طعمية وفول مدمس زى مياكلوا. أهلى استطاعوا التحمل بالقليل مما لديهم ليجعلونى ضابطًا. ونحن محكومون بطغاة يمتصون ثروات البلد، ويأكل الشعب التراب، والانجليز الكفرة يقتلون المصريين فى القنال والشرقية لأنهم لا يريدون الجلاء. إن الضباط الأحرار هم ثمرة التجاوب الثورى وانبثاق الأمل فى الجيش. لقد برق الأمل الكبير. إن الانجليز دكوا مدينة الإسماعيلية وقتلوا وأسروا البوليس والبلاد تجتاحها موجة سخط شنيع. فعلى هيئة القيادة أن تسرع وتمهد للتغيير. الخطوة الأولى أن يفر جنود من الجيش وينضموا إلى فدائيى الكتائب. وعند ساعة معينة من صباح يوم السبت تبدأ حركة إرهاب تعدمن أخطر ما عرفت مصر من تاريخها. ذلك أن يحضر بعض الفدائيين المزودين بأدوات الساعة أى القنابل المحرقة والخناجر والمسدسات، وتقسم هذه الفرق فى أنحاء القاهرة تخرج معها القوى الشعبية لتحرق أماكن معينة من المدينة مما ينشر الذعر. هنا الثورة فى قلب العاصمة التى تدفع النفوس نحو تنفيذ الخطة المدبرة ويفلت النظام مركزيًا. ستحرق أماكن اللهو ودور القمار والخمر. هذه هى النهاية التى كانت فى حسبان أولى الشأن. ولكننا نرى أنها نهاية لم تبلغ بعد.
«فيالخيبة الأمل.. ويالها من خيبة قاتلة جاءت فى لحظة رجاء مشرفة فى ذمة الله.
«لقد رسمت الخطط ودبرت المسائل. ولكن راح أمل الحكومة الانقلابية التى دبرناها لتحل محل حكومة الرأسماليين فى سراب الدخان القاتم».
www. ragai2009.com