العدالة والمساواة فى الإسلام (2)
ونحن حينما نتحدث عن المساواة كمقوم أساسى للمجتمع، ومعلم من معالم التقريب.. ينبغى أن نتذكر حديثنا عن الحريات بصفة عامة، وأن ندرك أنها تتوقف طرديًّا وعكسيًّا ـ على ثقة الضعفاء فى أمانة واستقامة ضمائر وسلوك الأقوياء.. فإخلال الأقوياء بالاستقامة واستخفافهم بالأمانة ـ لا يبقى معه جدوى كبيرة من التشريعات والأنظمة مهما نصت على المساواة.. ولا يجدى معه إنفاق الأموال الكثيرة أو الهبات والمنح لتحقيق المساواة، وتذهب سدًى كل محاولات الإقناع أن المساواة فى سبيلها للتحقق.
كذلك فإن اختصار القضية فى إزالة الأقوياء، تصور أو خيال شارد فارغ قليل العقل والتجربة.. فمن يزيل الأقوياء يرثهم ويمثل محلهم، وهكذا حكايات الفتوّات الذين يهبّون لإزالة الفتوّة الذى بغى وتجبر وظلم، ويتوسل المناهض فى مناهضته إلى قيم العدل والمساواة، حتى إذا هزمه وارتقى فتوّة الحارة أو الحىّ، تحول تدريجيّا إلى فتوّة آخر، لا يلبث أن يجمع مقاليد القوة ومعها الظلم فى يده، ليمارس بطشه على الناس، معطيًا ظهره لكل قيم العدالة والمساواة التى تبناها وتشدق بها أيام كان يناهض الفتوّة السابق عليه!!!
يضاعف صعوبة تحقيق المساواة، أن العالم لم يستغن فى الماضى والحاضر ولا يمكن أن يستغنى فى المستقبل ـ عن وجود الضعفاء والأقوياء.. ولا عن حاجة المجتمعات إلى الأقوياء الذين يبدو أن الاستغناء التام عنهم مضاد لنواميس وواقع الحياة.
وحكمة الإسلام أنه لم يتوهم إمكان خرق سنن الوجود، أو قلب موازين الكون، ولكنه مع ذلك لم يقف عاجزا عن معالجة هذه القضية.. تكمن قوة الإسلام فى أنه يقظة وصبر وإعادة تربية للنفس والروح.. هذه التربية هى التى تقوّم القوى كما تداوى الضعيف، وتكفل تطامن القوة وتعافيها من البغى والظلم والجبروت، وتقيم للمجتمع أواصر وضوابط لا تتيح للقوى أن يتجبر ويستعلى بقوته على الضعفاء، وتلزمه بأن تكون قوته فى خدمة المجتمع.. وأن تكون الثروة فى جبر وكفكفة الفقر.. وأن يكون علم العالم فى تعليم الجاهل وصلاح الجماعة.. فى فرض المبادئ التى لا تفرق ولا تميّز بين الناس لقوة أو منصب أو جاه أو مال أو نفوذ.
عبقرية الإسلام، ومعلم أساسى من معالم التقريب فيه، أنه لم ينكر أو يتجاهل وجود القوة والأقوياء، فأقر بواقع الاختلاف والتفاوت، ولكنه جعل القوة والعلم والثروة فى خدمة المجتمع والناس على سنن العدل والإنصاف، فى إطار من الأخوة الإنسانية والمساواة، التى لا تفاضل فيها إلاّ بالعمل الصالح.
www. ragai2009.com
[email protected]