من تراب الطريق (924)

رجائى عطية

8:41 ص, الأثنين, 31 أغسطس 20

رجائى عطية

رجائى عطية

8:41 ص, الأثنين, 31 أغسطس 20

العدالة والمساواة فى الإسلام (1)

مما لا مراء فيه، أن الحياة العصرية اختزلت واجبات الإنسان ـ بما هو إنسان ـ اختزالاً شديدًا.. ومن الطبيعى أن يصاحب هذا الاختزال بالضرورة ـ تقلص فى الشعور بالواجب والمسئولية، وهبوط قيمة هذا الشعور فى جدول القيم التى صار يهتم بها إنسان العصر.

وهنا يتوقف أستاذنا محمد عبد الله محمد ليلاحظ ـ فى كتابه معالم التقريب ـ أنه لم يعوض هذا الانكماش فى الضمير والروح، ومن ثم سطحية فى العواطف والإحساس ـ لم يعوضه زيادة الواجبات العامة والالتزامات الضريبية والإدارية والوطنية المفروضة على الأفراد تجاه الدولة. وقد يقال إن هذا شىء لا بد منه لاستمتاع إنسان العصر بمزايا ما يقذف به الإنتاج الكبير من سلع وخدمات وما يوفره من رخاء مادى هائل قدمه العلم الحديث والتكنولوجيا المبنية عليه. ولكن التحدى المقابل يثير سؤالا بالغ الأهمية، هو كيف يمكن للإنسان أن يحتفظ بهذه المزايا إذا كان منطقها يستتبع باستمرار انكماش ضميره وروحه وتقلص شعوره بالواجب والمسئولية؟!

إن اختزال الواجبات على هذا النحو، من أجل هذه الأغراض، يأباه الدين ويرفضه.. فالدين لا يتصور الحياة خالية من تبادل الواجبات والتساند والتعاون والتآخى فى حمل التبعات والمسئوليات. ومن الملحوظ أن الإسلام لم يتخل عن هذا الواجب ولو كان حتى من أجل التجرد للنسك والعبادة والترقى الروحى.

فلو شاع ذلك بين الناس وتحاكوا فيه، لتعطلت عمارة الحياة، وتخلخل المجتمع.. بينما هم الإسلام إعمار الحياة العامة والخاصة، بترابط إنسانى عماده التعاون والتراحم وتساند الناس فى خطوات ترقيهم وتخلقهم على هذه الأرض بأخلاق الله.

هذه الحياة بمقاصدها، لا تقام إلاّ إذا تحققت المساواة التى تقوم على العدل الذى لابد من توفير مناخه.. ومناخ العدل، فيما دل عليه القرآن والسنة، فى محبة الشجاعة فى الحق، وعدم السكوت أو الصبر على الظلم، والعزوف عن الباطل.. وهذه الشجاعة التى يحرص عليها الإسلام ـ تربية وخبرة ومران وتدريب وفهم.. وكثيرًا ما يتوهم البعض وجود هذه الشجاعة فى أنفسهم وهم فى الواقع أبعد البعداء عنها وأضعف الناس عن تحمل تبعاتها حين يأتى الداعى إليها!

والواقع أن الدول لم تعد تهتم كثيرا فى هذا العصر ـ بإنتاج الشجاعة الأدبية والرجولة فى الحق.. وليس يجزئ فى إغفال هذا الجانب، أن تعنى الحكومات والشعوب بإنتاج الخبراء فى العلوم والصناعات والفنانين والأدباء وأرباب المهن والحرف، أو بناء الكوادر الحزبية والشبابية، وأبطال الرياضة، وإقامة وتدريب الجيوش والأساطيل والقوات الشرطية وتنمية قدراتها النظامية والقتالية.. فذلك كله على أهميته يبقى ناقصًا إذا أغفل إنتاج صفة الشجاعة والرجولة، أو إذا ترك توفر هذه الصفة لعشوائيات الظروف التى قد تنتجها اعتباطا وقد لا تنتجها!!

ويبدو أن القوالب الناعمة التى صارت تصب فيها حياة الناس، لم تعد تشعر بالحاجة إلى الشجاعة والرجولة.. وتتصور أن الإنسان العادى يمكنه أن يعيش ويموت ويؤدى دوره فى الحياة بدونهما.. وهذا موطن من مواطن الداء.. يؤدى إلى اعتلال الحياة العامة.

www. ragai2009.com
[email protected]