من تراب الطريق (901)

رجائى عطية

9:27 ص, الأربعاء, 22 يوليو 20

رجائى عطية

رجائى عطية

9:27 ص, الأربعاء, 22 يوليو 20

بين تفاسير الجد الأعلى والخطاب التوراتى للحفيد الأدنى (2)

يبدو أن العظات التوراتية أخذت الحفيد الأدنى بعيدًا عن مقومات الخطاب السياسى، وضوابط الدبلوماسية فيه، حتى لم يجد الرئيس المصرى بُدًّا فى شرم الشيخ من أن يغادر القاعة قبل خطاب الرئيس الأمريكى الذى عُلم مقدما أنه يجافى الذوق والحس السياسى، ويخالف الأعراف فى مساسه الثقيل بسياسات الدول!

لا ندهش بعد ذلك، ما دامت العظة توراتية، من ألاّ يلتفت الحفيد الأدنى وهو يهاجم محاولات إيران للتخصيب، أنه يتحدث من قلب إسرائيل التى تملك ترسانـة نوويـة كافيـة لتدمير نصف العالم، فكيف لا يرى فى ذلك شيئا، بينما يتوعد من داخل الاحتفالية « الإسرأمريكية» بأن السكوت على إيران خيانة للأجيال المقبلة!

ترى ماذا يرى الحفيد الأدنى فى شأن الأجيال الفلسطينية الحاضرة، ودعنا من المقبلة؟!.. هل رأى ويرى أشلاء الأجساد الممزقة تحت وابل القنابل ودانات المدافع؟!.. هل رأى ويرى العمائر التى تسويها الجرافات بالأرض؟!.. هـل رأى ويرى الأمهات الثكالى والأطفال اليتامى؟!.. هل يدرك ماذا فعله ويفعله بأهل فلسطين ـ الجدار العازل الذى قضت محكمة العدل الدولية بإزالته؟!.. هل يحس بما تمتلئ به تباعاً عناقيد الغضب ؟!

فإن فاته هذا كله، فكيف يعطى لنفسه الحق فى أن يكون ناصحًا أمينًا حريصًا على من تعاديهم سياساته وتنسف حقوقهم وتقوض حاضرهم ومستقبلهم؟!.. ما منبع هذا الحرص إن كانت العظة التوراتية قد ملكت عليه أمره، فلم يعد يرى سواها، حتى يفرط منه، عفوًا أو قصدًا، وهو يبشر بشارة كاذبة بالحل، أنه: «لا يمكن أن تجبر دولة على المضى قدما فى التفاوض»؟!.. فإذا كان هـذا هـو المنظـور الأمريكى، فمـا علة « الوصايا» المفروضة أو المروم فرضها فى منطقة باتت حبلى بمظالم وازدواجيات جرأت المحتل أن يصف الجلاء بأنه تنازل، فإذا كان الجلاء تنازلا، فبماذا يُسمى الاحتلال؟!

لقد رأيت فى قراءتى وتحليلى للكتابين الصادرين عن جورج بوش الجد الأعلى، الواعظ مدرس العبرية، ما لا يقف عند حد كراهة الإسلام ورسوله، وإنكار الدين والنبوة، بل استشففت فيهما جذور فكر ملبوس يمثل أصول عقيدة الحفيد الأدنى فى التجمع اليهودى، ومعه المسيحى، فى فلسطين انتظارًا لما أسماه الجد الأعلى ـ المجىء الثانى للمسيح عليه السلام. رأيت الجد الواعظ ، مدرس العبرية، يفسر رؤيا حزقيال الراجعة إلى القرن السادس قبل الميلاد، فيستخلص منها هَبْر فلسطين من شعبها الذى راح الحفيد الأدنى يحتفل ـ عام 2008 بعد الميلاد ـ بعيد ميلاد اغتصابها. يترك جورج بوش الجد الأعلى السبى البابلى الذى ظهرت فيه وعنه وله هذه الرؤيا أو الحلم أو المنام، ويجتزها من بشارات الخلاص من السبى البابلى، ويسحبها أكثر من 2500 سنة ليتنبأ بأن المسلمين سيرتدون عن الإسلام إلى المسيحية، وإليها أيضا سيتجه اليهود، ليتجمعوا ومعهم أبناء المسيحية الصهيونية فى فلسطين!

لا غرابة إذن فى النصوص والقصص التوراتية التى استخدمها الحفيد الأدنى فى خطابه بإسرائيل، فهى بضاعة موروثة عن الجد الأعلى، تكشف أن عبارة الحرب الصليبية التى أفلتت منه، أشبه ـ وإن اختلفت الظروف ـ بالعبارة التى أطلقها الجنرال اللنبى على أعتاب القدس: «الآن قد اكتملت الحروب الصليبية»!.. لم تكن إذن عبارة جورج بوش الحفيد الأدنى عن الحرب الدينية المنتظرة مجرد زلة لسان أو انفلاتة غير مقصودة، بل إن المشاهد الجارية لسياسات الرئيس الأمريكى تؤكدها يوما وراء يوم.. غزو أفغانستان، ثم العراق، وها هى الخطط تحاك ضد سوريا وإيران. هذا المخطط هو عقيدة المحافظين الجدد أو السلفية المسيحية الصهيونية التى ينتمى إليها جورج بوش وتبشر بأن من أمارات المجىء الثانى للمسيح، التجمع اليهودى فى فلسطين!

لا غرابة إذن، ولا دهشة على الخطاب التوراتى للحفيد الأدنى جورج بوش وارث هذا الفكـر الملبوس، ولكن الحسرة هى على منطقة لا تزال عاجزة عن امتلاك مقاديرها، مرغمة أو راغبة فى فتح أذرعها بالأحضان لأعدى أعدائهـا وصاحب الخطر الداهم على حاضرها ومستقبلها!

www. ragai2009.com
[email protected]