نحن والإسلام وعيون الآخرين (2)
سجل بوش الجد الأعلى، تقديمه للكتاب بنصه الإنجليزى ـ أن دافعه للتصدى لما كتبه التأثير الضخم الذى أحدثه ما أسماه بالدين (المحمدى) بصرف النظر عن كونه ـ فيما يقول ـ دينًا صحيحًا!.. وإنه لكون هذا الدين قد وقع على رأس الكنيسة المسيحية، واهتم به كثيرون ـ بوصفه هرطقة مسيحية على حد قوله، أى مذهبًا مسيحيًا غير صحيح، أو خرافة وثنية، فإنه من هنا، وبنص عبارة المؤلف بوش الجد الأعلى: «فقد كان قدر هذا الدين أن يرتبط بكل العقائد الفاسدة التى أفسدت الإنجيل. وبقدر ما نفضح هذه النبوة ونكشفها أو بقدر ما نكشف الادعاء الحالى «Present posture» الموجود على ظهر الأرض، كلما عجلنا بسقوط الخداع Delusion، وعجلنا بتأصيل الحق، وزاد اهتمامنا ـ بعمق ـ بهذه المناطق التى طالت فيها سيادة هذا الدين» !!
لست بداهة أتحفظ على التصدى والتعقيب الذى أورده المترجم على الفكر الملبوس فى هذا الكتاب للمؤلف جورج بوش الجد الأعلى، والحق أن المترجم المحقق المعلق قد قام بجهد موفور فى التصدى لكتابات المؤلف الضالة والتعقيب عليها، وليس هدفى هنا أن أستحضر ما افترى به المؤلف على الإسلام ورسوله وتصدى له المترجم ورد عليه، فذلك التصدى واجب، والرد اللازم، ولكن السؤال هو إلى أين وبأى لغة يجب أن يتجه التصدى والرد؟! وهل يحتاج ذلك إلى هذه الترجمة الضخمة للكتاب كلـه، وألا يجزئ فيه مقال أو فصل فى كتاب ـ بدلا من الترويج (غير المقصود) لهذا الكتاب الملىء بالضلالات الذى وضعه ـ سنة (1830) ـ جورج بوش الجد الأعلى ؟! ظنى أن الأولى والأجدر، بالمبالغ الطائلة التى أنفقت على إعادة نشر الكتاب مترجمًا، أن ينهض المترجم وهو قادر مالك لأدواته، على تسطير ما يريده بالإنجليزية تعقيبا على ضلالات هذا الكتاب، وتلمس السبل والوسائل لبثه إلى قراء الإنجليزية، سواء فى أمريكا أو فى غيرها من البلدان الناطقة بالإنجليزية.
ظنى أن خطابنا الدينى يكاد يغفل الأغيار الأجانب، الناطقين بغير العربية، إغفالا تاما، فلا يحدثهم ولا يكتب إليهم بلغاتهم، بينما نرى كاتبا فردًا كعباس العقاد، يتصدى وحده ومن أكثر من نصف قرن، إلى كتابات الغرب عن الإسلام ورسوله متناولا كلاًّ منها بما يستوجبه تبعا لنواياها أو لمادتها، رأيناه مستشهدا فى كتابه «عبقرية محمد » بما كتبه العالم الأوروبى ماركس دودز Marcus Dodds فى كتابه محمد وبوذا والمسيح: «Mohamed Budda and Christ»، ورأيناه يورد كثيرًا من الاستشهادات أو التعقيبات على كتابات الغرب، الإيجابية والسلبية، ويناقشها مناقشة واعية متمكنة فى كتبه أمثال : ما يقال عن الإسلام، وحقائق الإسلام وأباطيل خصومه، وعقائد المفكرين فى القرن العشرين، والإنسان فى عقيدة القرآن إزاء العقائد الأخرى أو المذاهب الإنسانية، والإسلام دعوة عالمية.
التصدى لحملات الإساءة لرسول الإسلام والإسلام، لا ينبغى أن ينحصر فى ردود أفعال أو التزام الدفاع، مثلما لا يلزمه الإفراط فى الخطاب إلى المسلمين، فالمسلمون يعرفون دينهم وقدر ومكانة رسولهم الكريم، وينزلانهما منزلة العقيدة الهادية التى بها يؤمنون. التصدى لهذه الحملات يستوجب خطابًا موصولاً إلى الأغيار، بأسلوبهم وبلغاتهم وبالمنطق الذى يفهمونه هناك، لكشف بهتان ما ران عليه اعتيادهم منذ قرون، وجلاء حقيقة براءة الإسلام والمسلمين مما يرام إلصاقه بهم من أعمال متطرفين لا تنتمى بل تناهض جوهر وحقيقة الإسلام.
يحتاج هذا الخطاب إلى جمهرة من العلماء المجيدين للإنجليزية والفرنسية والإسبانية وغيرها من لغات الغرب، وإلى آلية حاضنة، تتوفر لها الإمكانيات، والروح والإخلاص، لتنهض بهؤلاء العلماء والمفكرين على هـذه الرسالة العظمى التى ليس حسبهـا فقط أن تـرد عن الإسلام ما يفترى به عليه، وإنما تبصر العالم وتقى البشرية مما يمكن أن يحيق بالجميع يوم تدخل الأديان فى معترك المناجزات، ويتعادى ويتصارع ويتقاتل حولها أبناء الأديان!
www. ragai2009.com