الإسلام فى كتابات منصفة (2)
يستغرب كل عاقل، مقدار خيبة الأساطير التى شكلت الوجدان الغربى بعامة عن رسول القرآن عليه السلام. فهو فى هذه الأساطير ساحر دبر «معجزات» زائفة ليخدع العرب السذج ويدمر الكنيسة فى أفريقيا والشـرق الأوسط.
تتحدث إحـدى الحكايات عن نور أبيض أثار الذعر ثم ظهر آخر الأمر بالقرآن الذى أتى به محمد إلى العرب، وأخرى تروى أن محمداً قام بتدريب حمامه على التقاط حبات البازلاء من أذنيه ليبدو للرائـى كأن روح القدس تتنزل عليه. مهما غضبت فلـن تستطيع إلاَّ الإشفـاق على تصديقهـم هـذه الخزعبلات التى اصطنعها مغرضون لم يجدوا تفسيراً لنجاح الإسلام إلا بإنكار الوحى وتصويره أنه مجرد هرطقة أو فرقة خارجة على المسيحية، وهى أوهام تراكمت فى تكوين القلق من الإسلام ثم العداء له وللمسلمين.. سطـروا بها صفحات مخجلة لا يتسع المقام هنا لتفصيلها!!.
يكفى أن تعرف أن دانتى الذى يتشدق كثيرون بعبقريته فى الكوميديا الإلهية، قد صور فيها محمداً ــ عليه السلام ــ فى الدرك الثامن من الجحيم فى عذاب مهين مع أرباب الفتنة التى أحدثت الانشقاق الدينى!!.. قريب من هذا الفكر الملبوس ما وقع فيه مارتن لوثر والبروتستانت وآخرون من بعدهم درجوا ــ حتى فى عصر النهضة ــ على نعت الإسـلام « بالمذهب المحمـدى » ونعت رسوله بأنه : «الدجـال» الشهير بمحمـد، أو بأنه النبى الكـاذب، وإطـلاق مسمـى «المحمديـة» Mohamadism بدلا مـن «الإسلام».. وهو ما صار يجرى الآن فيما تمد به الولايات المتحدة شبكة الإنترنت، متوهمة أنها بذلك تستطيع أن تخفى الإسلام الذى عم المعمورة ويتزايد معتنقوه كل يوم فى أمريكا ذاتها!
تستعرض كارين أرمسترونج بعض مؤلفات الغرب الغارقة فى التجنى والزيف والوهم، حيث لم تبدأ محاولات التخلص منه، إلاّ مع ترجمة معانى القرآن وتوالى الدراسات التاريخية الموضوعية التى شهد القرن 18 بعض جهودها الرامية إلى تفهم أكثر للإسلام.. ككتاب «تاريخ المسلمين» لسايمون أوكلى (1708)، وكتاب «أخـلاق الأمـم وروحها» لفرانسوا فولتير (1751)، واستشفاف المستشرق الهولندى يوهان يعقوب رايسكى (ت 1774) للمسحة الربانية فى حياة محمد ونزول الإسلام، وثناء إدوارد جيبون على عقيدته التوحيدية بكتابه «تدهور وسقوط الإمبراطورية الرومانية»، ومحاضرة كارلايل « البطل باعتباره نبيًا» التى دافع فيها دفاعا حارًّا عن محمد عليه السلام ـ منكراً أوهام القـرون الوسطـى، وضمَّنهـا كتابـه المعـروف عن البطولة والأبطال (1841).
لم تنقطع للأسف زيوف الأوهام القديمة برغم هذه الكتابات الموضوعية، فبقيت تدلى بدلوها فى تأجيج التعصب والكراهية للإسلام، مثلما فعل شاتوبريان فى كتابه : « الرحلة من باريس إلى أورشليم ومنها إلى باريس» (1811/1810) الذى بشر فيه ــ بخياله الصليبى ــ بوجوب سيطرة الغرب على العرب أرباب الهمجية والوحشية !! هذا العرق الملبوس الممدود الذى عبر عنه الجنرال اللنبى عام 1917 حين أعلن وهو على أعتاب القدس: «الآن قد اكتملت الحملات الصليبية!!
هذا هو ما كشفته كارين أرمسترونج ـ الراهبة السابقة ـ الباحثة فى تاريخ الأديان فى كتابها الرائع : «سيرة محمد».. ومع موضوعية وروعة ما كتبته إنصافا للنبى والوحى، ولسيرته ودعوته، فظنى أن أخطر ما فى الكتاب ما كشفته عن قدم أثر الأساطير الغربية فى تشكيل الوجدان الغربى بعامة إزاء الإسلام ورسوله.. هذه الأساطير التى تجذرت حتى بات الكثيرون هناك يقبلون الفكر الملبوس عن الإسلام بلا مناقشة، لا ينجو من الوقوع تحت تأثيره المغلوط إلاَّ قليلون قرءوا وتمعنوا وفهموا، بعضهم أفصح كما فعلت، وبعضهم اشترى راحته بالسكوت!!!
مرة ثانية. ليست الغاية مقابلة العداء بعداء، فذلك يجافى الإسلام، ويفوت فرصة البيان والإيضاح. مقصدى أن نفهم الصورة هناك.. كيف أنها أوسع كثيراً من رسم مسىء أو شريط فيديو، وندرك أن رؤيتها بكل جوانبها، هى الكفيلة بوضع رؤية شاملة، مدروسة لا عشوائية، تواجه هذا التجنى المبعد عن الحقيقة والإنصاف، وسيلة مواجهته الأولى تصحيح صورة وسلوك المسلم ذاته فى عيون الغرب، ومعها خطاب مدروس ومتواصل، بلغتهم ومنطقهم، يخاطب العقل بالحجة والبرهان، ويفوت فرص الإساءة الجاهلة أو المتعمدة، ويبطل موجات الكراهية والشحن ضد الإسلام والمسلمين، ويفتح منافذ لفهم متبادل لا غناء عنه للبشرية فى هذا الزمان، وفى كل زمان!
www. ragai2009.com
[email protected]