حملات الإساءة للإسلام (1)
لم يكن قد مضى على عضويتى لمجمع البحوث الإسلامية إلاّ ثلاث سنوات، ومع ذلك عرض علينا خلالها كثير من الهجمات الجائرة المفتئتة على الإسلام ورسوله عليه السلام، معظمها آتية من الخارج، مـن الدانمارك أو بابا الفاتيكان أو غيرهما من بلدان الغرب، إلاّ أن أقلاما مسلمة، ومن داخل مصر، ساهمت فى هذا الغثاء تحت تعلة التنوير، وماهو بتنوير ولكنه تسخيم لوجه الإسلام فى وقت تأتيه رياح الافتئات ظالمة جهولة من كل باب. لقد شاركت وناقشت، وصغت فيمن صاغوا كثيرا من بيانات الشجب والاحتجاج، وكثيرا من عبارات الدعوة إلى التعقل والإنصاف، فلا هذه نفعت، ولا تلك أجدت، واستمرت حملات الخارج، وانفلاتات الداخل، دون أن ترعوى أو تقتصد أو تفهم المخاطر والمحاذير فى هذا المساس الغشوم بسقوف الأديان!
والحملة المشنونة بالغرب وأمريكا على الإسلام، لا تقتصر على إيذاء مشاعر المسلمين، إنما هى تصب فى صميم حياة المسلمين هناك، وأعدادهم ليست قليلة ولا هينة، بل بالملايين العديدة كما هو حاصل على سبيل المثال فى كل من أمريكا وروسيا وفرنسا وألمانيا وغيرها. فتعداد المسلمين فى الولايات المتحدة قد قارب سبعة ملايين مسلم، ونحو ستة ملايين فى فرنسا، وخمسة عشر مليونا فى روسيا، وقرابة أربعة ملايين فى ألمانيا، وقرابة المليونين فى بريطانيا، وزيادة عن المليون فى البلاد الواطئة، وكذا فى بولندا، ونحو %20 من جملة سكان يوغوسلافيا قبل التفتيت، غير المسلمين وهم بمئات الألوف وتقترب أحيانا من المليون فى باقى الدول الأوروبية غير دول الأمريكتين. الصورة المغلوطة التى يصورون بها الإسلام هناك، تخلق متاعب عديدة للمسلمين المضطرين للتعامل مع الأنظمة ومع المجتمعات التى يعيشون فيها فى القارة الأوروبية أو الأمريكتين. حملات الكراهية وتشويه الإسلام فى هذه الدول لا تمس فقط مشاعر المسلمين هناك، إنما تحيل حياتهم وسـط هـذه المجتمعات اللافظة إلى جحيم موصول ! وظنى كذلك أن المتطرفين الذين يعطون المادة لحملات مهاجمة الإسلام، لا يلتفتون إلى قدر الأزمات والمصاعب التى يتسببون فيها بأعمال طائشة لا طحن لها، بينما هى تنحر من صورة الإسلام والمسلمين بعامة، وتسبب لجالياتنا الإسلامية العديد من الأزمات والمصاعب وتجعل مـن حياتهـم جحيما وسط محيط بات يتوجس منهم أو يصطنع الأسباب لمجافاتهم ثم للفظهم وطردهم من هذه البلدان التى كانوا فى السالف عنوانا جاذبا فيها للإسلام.. ودالاً فى الوقت ذاته على جور وافتئات الصورة الكاذبة التى ظلوا يحشدون بها الكتب فى الغرب ضد الإسلام على مدار قرون، فلما جعلت الصورة تتعدل لصالح الإسلام والمسلمين، تردت الحركات الشاذة والمتطرفة ببعض الأعمال الجامحة التى يأباها الإسلام نفسه ـ فى إعطاء الفرصة لرد الحاضر إلى ما كانت عليه الكراهية للإسلام وزيادة!
المسلم فى الشرق والغرب، ابن البلد أو وافد أو مهاجر فى البلد الذى فيه يعيش، يرى الإسـلام كما يعتقده هو ويؤمن به، وبوسعه أن يعرف كم هو جائر وغير صحيح أن تحسب الأعمال المتطرفة الضالة على الإسلام. فهو يعرف كيف أن الإسلام نهى عن العنصرية، واعتنق السماحة والمساواة، وأقام شريعته على شخصية المسئولية بحيث لا يسأل الشخص إلاّ عما يفعل، ولا يحاسب على فعل أو عمل غيره. أينما ولى المسلم يرى حقيقة الإسلام فى مصادره الإسلامية المكتوبة قرآنا وسنة وسيرة وأثراً، أو مسموعة فيما يتلقاه من تلاوة ترددها الإذاعات المسموعة والمرئية، أو دعوة رشيدة لا يعـدم الوصول إليهـا، إلاّ أن الأجنبى غير المسلم لا يطلع ولا يرى شيئا من ذلك، فكل هذه الروافد غير موجهة إليه، وهو لو صادفها لا يستطيع لحاجز اللغة أن يلم بها، وتكاد رؤيته للإسلام أن تكون محصورة فى المشهد المتطرف الشاذ الذى لا ينتمى للإسلام ولا يصوره أو المسلمين ولا ينصفه أو ينصفهم. حادث تفجير واحد، فى مدريد أو لندن، أو فى الرياض أو الأقصر ـ يحتل للأسف معظم الصورة التى يفهمها الآخرون للإسلام والمسلمين، وهيهات أن تقنعهم بخطبة عصماء أو بيان شجب، أن هذا من فعل متطرفين مغالين وليس من الإسلام.. يساهم فى ضياع الصدى أنهم يتكلمون لغات غير لغتنا، ولا يفهمون بالتالى خطابنا ولا بثنا ولا دعوتنا، بينما تلح عليهم ميديا عالمية معظمها أحول يحكمه الهوى ـ بأن هذا هو الإسلام، ويجتزئون كلمة فى آية، يخرجونها من السياق، ليقولوا امسك هذا هو القرآن ـ أليست تقول الآية: «ترهبون به عدو الله وعدوكم» ـ إذن هذا هو الإرهـاب، ومصدره ومنبعـه، لا تعنيهم الآية،
ولا يعنيهم سياقها، ولا حقيقة مقصدها، وإنما يتسقطون لفظة من هنا وأخرى من هناك ليقولوا إرهاب الإسلام أو فاشية القرآن، فى الوقت الذى يصابون فيه بالعمى الضرير عن رؤية مقاطع كاملة مليئة بالدماء والتقتيل والتحريق فى العديد من أسفار العهد القديم، ولا ما فيه من إساءة واتهامات وإهانة للأنبياء. الميديا الإعلامية العالمية مغرضة ولا شك، ولكننا نحن المسلمين نمدهم بالمادة المغذية فى بعض سلوكياتنا الغريبة الغارقة فى مظهر شكلى فقط وعافاه الزمن، وابتعادنا عن جوهر الإسلام والتشويش على صورة المسلم الحق الذى هو عنوان الإسلام وآيته إلى الدنيا، بينما يلاحقنا المتطرفون ويلاحقـون العالم بأعمـال عبثية تضرب ضربـا عشوائيا على غير سنن ومبادئ الإسلام لتحسب فى النهاية على المسلمين وعلى الإسلام!
www. ragai2009.com