سعد زغلول نصار ورسالة الإذاعة وميلاد التليفزيون
مـن رحم الإذاعة ، ولد التليفزيون المصرى فى أول الستينيات ، فدفعت إليه الإذاعة من خيرة روادها سعد لبيب وتماضر توفيق وأنور المشرى وصلاح زكى وعباس أحمد وهمت مصطفى وسميرة الكيلانى ومحمود السباع ـ لم يكن سعد زغلول نصار ضمن هذه المجموعة التى على أكتافها بدأ مولد وتأسيس التليفزيون ، ومع ذلك نجد ريادة هذا الإذاعى الموهوب الذى اخترناه نموذجاً لفهم الرسالة واقتدار الأداء ـ تأبى إلاّ أن تقدم للتليفزيون ، وللناهضين على إنشائه عطاء خاصا متميزا يتفق مع تركيبته وثقافته الموسوعية وإحاطته الشاملة بالفن الإعلامى بعامة ، وبفنون الإذاعة المسموعة والمرئية بخاصة. هديته إلى الوليد الجديد كانت بكتاب هو الأول فى المكتبة العربية تحت عنوان : « تليفزيون للجميع » نشرتـه الهيئة العامة للكتاب فى عدد ممتاز للمكتبة الثقافية (نوفمبر1959).. فى هذا الكتاب نرى الأستاذ فى فن الإذاعـة المسموعة ، أستاذاً متمكنا أيضا فى فن الإذاعة المرئية ، يقدم فى منعطف هام ، زبدة خبرة عريضة ورؤية ثاقبة نابعة عن عبقرية فنية ألمت بدقائق وأسرار العمل الإذاعى مسموعًا ومرئيًا.
يتناول الكتاب كل ما يتصل بفنون التليفزيون من زوايا متعددة تتصل بنظرية الإرسال التليفزيونى إلى جانب نواحيه الهندسية ، وأخرى تتعلق بالصوت والصورة وما يتصل بالإعداد والتصوير والإخراج فى الاستديوهات ومعداتها وتجهيزاتها ، وسبل تصوير والتقاط المناظر الداخلية والخارجية ونقل صنوف البرامج والإذاعات المرئية ، فضلا عن أسلوب كتابة البرامج وإعدادها وتنفيذها.. يبدأ الحديث عـن الخلية الكهروضوئية والعين البشريـة ، وعن الخلية الموصلة (Conductive) ، والخلية الفولتية ( Voltaic ) والخلية المشعة ( Emessive) ، وعن المحاولات الأولى للإرسال التليفزيونى وسبلها ودقائقها ، وعن كاميرا واستوديو التليفزيون ، والعلاقة الوطيدة والفوارق أيضا بينه وبين السينما.. يعقد فصلا عن « الصورة » وما يتصل بها من أضواء..الضوء الأساسى (Base – light ) ، والضوء التشكيلى (Modeling -light ) والضوء المتمم ( Fill – light ) ، والضوء الخلفى ( Back – light )..عن الأسلاك المضيئة ، والغاز المضىء وقوس الكربون وصمام الفلورسنت ، وعن « الصوت » وامتزاجه بالصورة التـى يعقـد لها فصلاً آخر يتحدث فيه عـن « مناظـر التليفزيون ».. شاملاً ما تتفـرع إليه برامجه من « الإنترفيو » ( Interview ) إلى المنوعات (Varietties) إلى البرامج الفكاهية ( Comedy tormat ) ، وما يحتاجه كل منها فى تجسيد وتصوير مناظرها ، وما بين المناظـر الثابتة والمناظر المتحركة.. بين المناظر الداخلية وما يتعلق بها فى الكواليس والوحدات المعلقة والستائر والوحدات المبنية والشاشة وغطاء الأرضية والخلفية أو الباك جراوند ، وبين المناظر الخارجية النهارية والليلية ، والعلاقة بين المنظر والميكروفون.. تصميم المناظر وتنفيذها.. الماكياج وقواعده ومواده وفنونه. لقطات الكاميرا وزواياها وحركتها ولقطاتها : اللقطة الاستعراضية الرأسية ( Titling – shot ) ، واللقطة العكسية ( Reverse – shot ) ، واللقطة المتحركة ( – shot Traveling ) ، واللقطة الاستعراضيـة الأفقيـة ( Panorama ) وكيفية حركة الكاميرا فيها والأسس التى تقوم عليها.. وفنون الانتقال بين المناظر واللقطات : « القطع » وقواعده وضوابطـه وفنونه.. و«المزج » أو « الميكساج » (Dissolve ) ـ وهو نوع من الاختفاء التدريجى لمنظر (Fade – out ) يتلوه ظهور تدريجى للمنظر التالى ( Fade – in ).. إلى غير ذلك من فنون الانتقال من لقطة لأخرى ، ومنها ما يعرف بالـ Wipe shot.. وهى اللقطة التى تبدأ فيها الصورة صغيرة ثم تتدرج فى الكبر حتى تستوعب كل مساحة الشاشة.. ثم يعقد فصلا للإذاعات التليفزيونية الخارجية، والمؤثرات الخاصة ، أساليبهـا وعرباتها وأدواتها وتجهيزاتها ـ مشفوعة بصور ورسوم توضيحية ، وبأساليب نقل الإذاعات المرئية فى أنواع الرياضات كالمصارعة والملاكمة والسباقات وكرة القدم والتجديف ، وفى الحفلات والعروض المسرحية.. يحدثنا فى المؤثرات الخاصـة عـن كيفية تجسيد الثلج ( بالمندوف أو بالفشار أو برغاوى البوراكس أو الصابون ) ، وكيفية تجسيد المطر ، والنيران ، والدخان وما يستعمل فى ذلك من مواد وأدوات، وكذا تجسيد أصوات تكسر الأوانى الزجاجية أو تحطيم الأثاث أو طلقات الرصاص أو المفرقعـات.. لا ينهى سعد زغلول نصار كتابه ، دون أن يعقد فصلا خاصاً لميدانه الذى تألق فيه.. فنون الكتابة للتليفزيون وبرامجه وتنفيذها ، وما تختلف فيه المعالجة المرئية عن المعالجة المسموعة فقط.. كيفية الكتابة وأساليبها ، والمزج فى السيناريو بين الصورة أو الكاميرا ، وبين الصوت أو الحوار والمؤثرات الخاصة.. يحدثك عن فن كتابة المنوعات ، والبحوث ، والنص السينمائى ( السيناريو ) ، خاتما بنصيحة إلى الكاتب : « لا تتفلسف علـى المشاهدين ، فربمـا كـان منهـم من هو أكثر منك علما ودراية أو ثقافة » !
هذا الكتاب الضافى الجامع الشامل ، نشر ( 1959 ) قبل بداية بث التليفزيون المصرى ( 1960 ).. لا تسبقه فى موضوعه أى كتابات بالعربية ، مما يورى بأن المؤلف رجع ـ مع خبرته العريضة ـ إلى كثير من المراجع الأجنبية التى مكنه منها إلمامه العريض إلى جوار العربية التى كان ملكًا متوجًا فى بلاغتها وأسرارها ـ باللغة الإنجليزية التى ترجـم منها إلى العربية روائـع المسرح العالمى ، وكتاب المسرح اليابانى ( مسرح الكابوكى ) ، وروائع القصـص العالمى : « الحريـة والمـوت » لكازانتزاكس ، و« العالـم المفقود » للسير آرثركونان دويل ، و« الولد الأسود » للكاتب الزنجى الأمريكى ريتشارد رايـت ، و« ابن البلد » لذات الكاتب ، فضلاً عن الكتب الأربعة التى ترجمها عن القائد وثورة يوليو 1952 وغيرها من ترجماته التى أسهم بها إسهامًا عريضًا نال عنه جائزة الدولة فى الترجمة.
www. ragai2009.com