إذاعة صوت العرب، وسعد زغلول نصار أحد مؤسسيها، وتولى رئاستها خمس سنوات، كانت ولا تزال إذاعة ذات طبيعة خاصة، كان الجانب السياسى والفكرى والثقافى والدينى من أهم معطياتها، ولكنها لم تتحوصل وإنما امتد عطاؤها إلى كل المجالات.. مدركةً أن رسالة الإذاعة عريضة بعراضة جمهور المتلقين.. تقدم كل شىء، الكشكول، والحياة والحب والأمل، إلى جوار المادة والتعليقات السياسية، وتقدم المجلة الثقافية، وأضواء على الفكر العربى، وقرأت لك، إلى جوار من هدى القرآن ومـن هدى النبوة وذلك الكتاب لاريب فيه وفى مدرسة الرسول، وتقدم ابتهالات وأدعيات يا رب ومع الله وبشاير وباسمك اللهم، إلى جانب خريطة المنوعات والغناء والموسيقى والطرب، إلى جوار التواشيح والابتهالات الدينية والقراءات القرآنية.
كان سعد زغلول نصار يفهم حقيقة هذا كله بحاسة متوهجة وثقافة عريضة، ويدفع رياح العمل فى اقتدار يراعى تميز المادة مثلما يراعى التوازنـات بين مختلـف الوجبات التى تبثهـا إذاعـة صوت العـرب إلى المتلقين.
أتيح لى أن أتلامس مـع صوت العرب، وأن أكتب إليه ما بين أول الستينيات ومنتصف الثمانينيات كتابة يومية منتظمة، رأيت فيها أديبنا الإذاعى المبدع مديرا لحزمة البرامج العقائدية شاملة الثقافية والدينية فى صوت العرب، يجلس فى حجرة ومعـه فيها أمين بسيونى وإبراهيم مصباح ومحمد مرعى وعبد الوهـاب قتاية ومحمد الخولـى، خلية نحل لا تهدأ، فلا تصرفه إدارة العمل ومراجعة النصوص وزحام الحجرة والمختلفين إليها عن الكتابة التى عشقها .. لا يدع دقيقة تفوت دون أن يخط برنامجا أو تعليقا أو مسمعا دراميا فى استغراق عجيب، ورأيته بذات هذه الروح يدير كتيبة صوت العرب التى جمعت ألمع نجوم الإذاعة التى ضمت ـ فضلا عمن ذكرتهم : نادية توفيق وعادل القاضى وصلاح عويس ووجدى الحكيم وأحمد عبد الحميد وسعد غزال وتراجى عباس وأحمد حمزة وحلمى البلك وحمدى الكنيسى وعصمت فوزى ومرفت رجب وحسين أبو المكارم وسوسـن النمرسى ومراد كامل وزكريا شمس الدين وكامل البيطار وعلى سعفان وناديـة حلمـى ونجوى أبو النجا وسهام صبرى ومحمد سناء وعبد الله عمران وعبد الفتاح العدوى ونهى العلمى وتهانى رمضان وسعاد خليل وجابر الشال ومحمود الشال ومحمد غزال وعادل جلال وأحمد شوقى وأمانى كامل وعبد الله قاسم وأحمد الجبيلى.. ووسطهـم آنذاك على أول الطـريق أمينة صبرى ثم نبيلة مكاوى اللتان تولتا على التوالى إدارة صوت العرب فى السنوات الأخيرة، من هذه الكتيبة من تولى رئاسة الاتحاد ورئاسة الإذاعة ورئاسة التليفزيون، ورئاسة الشبكات بالإذاعة والتليفزيون، فضلا عن إدارة صوت العرب الذى تميزت مدرسته بعطاء خاص ونكهة خاصة كان سعد زغلول نصار أحد أعمدتها المؤسسين الكبار الذى لم يختلف مسلكه رئيسًا عنه مرءوسًا .. لأن العطاء للإذاعة والأدب والفن كان مهجته وشاغله .. إدارة هذه النجوم اللامعة ليست سهلة، إلاّ أن يكون ماسك الدفة صاحب اقتدار يدركه الجميع فى بساطة غير مصطنعة، تعطى للعمل مقامه الأول، ولا تصادر أو تنتقص مكانة كل من هؤلاء لا فى موهبته هو أيضًا، ولا فى قدرته على العطـاء والإجـادة فى جـو عابق بالمحبة وسط خلية نحل لا تنى ولا تهدأ .. يختلف إليها يوميا نجوم لامعة فى الأدب والفن والغناء .. صلاح عبد الصبور، وأنيس منصور، وعلى شلش، وعبد الله الطوخى، وصالح مرسى، ووحيد حامد، وفؤاد بدوى، ومن نجوم الفن والغناء: عبد الحليم حافظ، ومحمد الموجى، وبليغ حمدى، وكمال الطويل، وصباح، وفايزة أحمد، ومحمد سلطان، وحلمى بكر، وصلاح عرام .. الجميع ـ عاملا ومتعاملا ـ مشغولون بالعطاء ومقتضياته، فى إحاطة وإتقان يصب فى مصلحة الإذاعة وجمهور المتلقين.
فى عمر الإذاعة المصرية الطويل، حفلت بكثيرين من البناءين العظـام، ستذهب أعمالهـم الكبرى بددًا، ولن تتاح للأجيال التالية فرصة الإطلال عليها والاستفادة منها، ما لم تقم الإذاعة، أو الاتحاد، أسوة بما تفعل هيئة الكتاب، أو المجلس الأعلى للفنون والآداب، بطبع ونشر المتميز من هذه الأعمال.. وقد قامت الإذاعة بشىء من ذلك حين طبعت فى أشرطة بإحدى شركات الصوتيات ـ بعض ما كان يقدمه د. حسين فوزى من شرح الموسيقى الكلاسيكية فى البرنامج الثانى .. مهما حاولت خريطة الإذاعة أن تزاوج بين القديم والجديد، فإن الجديد الزاحف بكثرته ومعها إلحاحات أصحابه، جعل القديم يتوارى أو يكاد، وسيظل يتوارى من خريطة البث، مع أنه تضمن أعمالاً نادرة تفوق بكثير جدًا جدًا ما يتاح الآن للبث الجديد.. حفظ هذه الأعمال فى أرشيف أو مكتبة الإذاعة لا يتيح لمن يريد أن يطلـع عليها متى شاء.. طبيعة الإذاعة، وتعاملها مع الأثير، تجعل الحاجة مضاعفة لحفظ أعمالها الكبيرة .. طباعة هذه الأعمال الكبرى ـ ورقيا وصوتيا ـ هى الكفيلة بحفظ تراث الإذاعة من الضياع وتيسير الإطلال عليه لضمان تواصل الأجيال على أسس موضوعية راسخة .. راودتنى هذه الأمانى بإلحاح وأنا ألاحق وأفتش وأستقصى التراث الضخم الذى تركـه سعد زغلول نصار، فبرغم أن بعضه فى كتب أو فى مقالات منشـورة، وبعضه تركـه فـى نسخ كربونية لم يمهله الزمن أو العمر لطبعها، وبرغم أننى شخصيا كنت معنيا بتجميع مـا أستطيع مـن تراثه، إلاّ أننى علـى كثرة ما استطعت الوصول إليه، يظل كثير من أعماله الكبرى، سيما الدراما الإذاعية والتليفزيونية ـ معرضًا للضياع.
www. ragai2009.com
[email protected]