كان عدلى أندراوس موظفًا بسيطًا فى شركة البيضا للنسيج التى كان الإنجليز يملكون أغلب أسهمها. وكان لا يحمل إلاَّ شهادة الدراسة الابتدائية. وتدرج الى أن أصبح مديرًا عامًا لها. وجاءت الحرب فأثرى ثراء فاحشًا. واتصل بحاشية الملك. وعرض على الملك أن يساهم فى الشركة وباع له حصة كبيرة من الأسهم، وارتفعت قيمة الأسهم وكسب الملك مكسبًا كبيرًا. وكافأه الملك بتعيينه مستشارًا اقتصاديًا له، وأنعم عليه برتبة الباشوية.
عبود يرشو الملك للإطاحة بوزارة الهلالى
توجه عبود إلى أندراوس متوسلاً أن ينقذه من الهلالى. واعتذر أندراوس. ولكن عبود قال له : ما عليك. تكلم معه. قل له إنى مستعد لبذل كل شىء.
قال أندراوس مندهشًا : وماذا تعنى ببذل كل شىء.
قال عبود : قل هذه العبارة للملك وهو سيفهمها.
وذهب أندراوس إلى الملك، وكان فى نادى السيارات يلعب البكاراه وتصادف أن كان ليلتها قد خسر مبلغًا كبيرًا. وجلس أندراوس على المائدة يلعب أيضًا كعادته. ولما انتهى اللعب، قال :
أريد أن أحدثك فى شىء يا مولاى.
قال الملك وكان يشعر بالغضب عند الخسارة : دعه إلى غد.
قال أندراوس : قد يكون الغد متأخرًا يا مولاى. واستطاع أندراوس أن يجذب اهتمام فاروق بهذه العبارة فاستمع منه إلى ما قاله له عبود، قال فاروق ضاحكًا : وما هو الرقم الذى حدده عبود ؟
قال أندراوس : أظن أنه فى حدود المائة ألف.
أجاب الملك : مائة ألف.. لا.. هذا قليل، قل له مائتى ألف..!!
ودفع عبود المبلغ. وقيل للهلالى أن يؤجل مطالبته بالضريبة فرفض. وطلب منه تقسيطها فرفض.
ويضيف المراغى أنه فى أحد أيام مايو، استقبل عدلى أندراوس فى مكتبه بناء على طلبه، وإذ بأندراوس يتطرق إلى وزارة الهلالى الذى كان المراغى عضوًا فيها، ليسأله عما إذا كان مسرورًا معه، فلما أجابه بالإيجاب تحسر أندراوس قائلاً : خسارة. إنه رجل حنبلى خالص، فلما استوضحه المراغى عما يعنيه، أجابه أندراوس قائلاً : يعنى لازم يخرب بيت عبود ؟ هل تعلم أنه لو خرب بيت عبود انهار الاقتصاد ؟
قال المراغى : هل مبلغ خمسة ملايين جنيه يخرب بيت عبود، وثروته مائة مليون ؟ إن خمسة ملايين هى نصف دخله السنوى.
قال أندراوس : ولكن الخمسة ملايين إذا دفعت مرة واحدة تقصم الظهر. وعلى كل حال مولانا أصبح يضيق بتصرفات التطهير. وغدًا سيصل الموسى إلى ( ثم أشار إلى رقبته ) وضحك قائلاً : ولعلكم تريدونها أن تصل إلى ما هو أعلى.
واستأذن وانصرف. وأسرع المراغى إلى الهلالى وأخبره. فقال : وبما تنصحنى ؟ فنصحه بالترقب.
وبدأت معاكسات الملك. واستقال الهلالى يوم أول يونيو بعد أربعة أشهر، واشترى عبود الخمسة ملايين بمائتى ألف. وكانت ضربة مروعة من فاروق عجلت بالنهاية.
محاولات لإخراج
حسين سرى عامر
كانت النذر واضحة وسحب السخط تلبد سماء مصر. لا يمضى يوم إلاَّ وللضباط الأحرار منشور أو منشورات. ولاحظ المراغى أنهم يكثرون من ذكر حسين سرى عامر على أنه عامل من عوامل الفساد، ويطالبون بإخراجه من الجيش. وأراد المراغى أن يفعل شيئًا يحاول التخفيف به من سخط الجيش بعد أن فشلت محاولته الأولى بإحالة عثمان المهدى إلى المعاش وتعيين حسين فريد، وهو ضابط كان محبوبًا فى صفوف الجيش. فطلب المراغى الفريق حيدر للحضور إلى مكتبه. وعرض عليه فكرة إقالة حسين سرى عامر. فقال : إنها فكرة عظيمة.
قال له المراغى : قدم إلىَّ اقتراحًا بذلك لأعد المرسوم.
قال : تريد أن تغضب الملك منى ؟
قال المراغى : هل تعلم أن غاية ما يريده الملك هو أن يجىء يوم سيكون قريبًا لإحالتك أنت بالذات إلى المعاش، ليعين مكانك حسين سرى عامر ؟
قال حيدر : فى الوقت الحاضر لا أظن. لكننى لا أستبعد ذلك.
قال المراغى : بصفتك قائد الجيش، هل تعلم كل شىء أو بعض الشىء عن تصرفات حسين سرى عامر، وعن صلته القوية بحاشية القصر ؟
قال : هل تقصد تهريب الحشيش ؟
قال المراغى : نعم.. وها أنا أرى أنك تعلم، فهل تشك فى ذلك ؟
قال : إنى أعلم وأشك كثيرًا فى تصرفات حسين سرى عامر. ولكن ماذا أصنع ومولانا راض عنه ؟
قال المراغى : إذا كنت مخلصًا لمولانا، فهل من المصلحة أن تنتشر الفضيحة ؟ ألست ترى سخط قسم كبير من الجيش؟
قال حيدر : أنا معك. ولكنى لا أريد أن أغضب الملك.
قال له المراغى : لنجد حلا للمشكلة. وأنه سيضع مذكرة يقول فيها إنه تدارس مع حيدر موضوع حسين سرى عامر، وأن رأيهما قد إتفق على أنه لا يصلح لتولى منصب كبير فى الجيش كقائد، وأنه يحسن إحالته على التقاعد.
أطرق حيدر، وكان يحمل عصا قصيرة أخذ يضرب بها حذاءه وفخده ثم قال : أوافق وأمرى لله.
وأعد المراغى مرسوم القانون وأرفق به المذكرة وعرضه على مجلس الوزراء. فتساءل أحد الوزراء هل يوافق الملك ؟
فأجابه المراغى : اعتقد أنه يوافق.
وأرسل المرسوم إلى القصر. وكانت مفاجأة كبيرة للملك أفاق من بعدها وطلب حيدر.