من تراب الطريق (846)

رجائى عطية

8:51 ص, الأثنين, 27 أبريل 20

رجائى عطية

رجائى عطية

8:51 ص, الأثنين, 27 أبريل 20

مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (55)

عندما توجه طولان إلى إدارة المخابرات ، وجد فى انتظاره ضابط برتبة اليوزباشى ( النقيب حاليًا ) وأخبره أن اسمه عصمت ، ثم خرج مع طولان فى سيارة إلى عمارة ضخمة ، ودخلا إحدى شققها حيث وجدا وجيه أباظة الذى قال له إن لديه 200 زجاجة ملأى بالمواد الملتهبة ، وأن معه بعض الضباط والصف ضباط فى غرفة العمليات الخاصة فى منيا القمح فى الشرقية .

وفى يوم آخر توجه طولان الى منزل وجيه أباظة فى هيليوبوليس برقم 9 شارع سيدى جابر ، وقال إنه حضر فى أثناء جلوسهم شخص أدخل حجرة أخرى . وبعد مدة استدعى وجيه أباظه جمال طولان وأدخله الغرفة وقال له : هذا بغدادى بك. وعرف فيما بعد أن اسمه الكامل عبد اللطيف البغدادى .

استوقف هذا التقرير نظر مرتضى المراغى ، وأطال التفكير فيه . إنه يعلم أن وجيه أباظه من الضباط الأحرار ، وأنه يقوم بعمليات فدائية ضد الإنجليز فى منطقة قنال السويس . والملك فاروق أعلن أنه تبرع للفدائيين بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه .

وواضح من سؤال جمال طولان للمحقق ـ أنه يتخوف من الكلام عن وجيه أباظه ـ لأنه يعلم بأن له صلة بالقصر . ولما طمئأنه المحقق بألاَّ صلة لوجيه اباظه بالقصر ، تكلم طولان عن حيازة أباظه وضباط من المخابرات للزجاجات الملتهبة ولأسلحة كثيرة تستلزم مبالغ طائلة للحصول عليها .

ثم لفت نظر المراغى أكثر ، ورود اسم عبد اللطيف البغدادى الذى كان اسمه واردًا فى قائمة كبار الضباط الحرار الذين قدم كشف باسمائهم إلى الملك ، ولكن المخابرات الحربية برئاسة سيف اليزل وعلى صبرى نفت أى نشاط لهم . واقتنع حيدر وكذلك الملك . وزاد فى اقتناع الملك أن وصيفة القصر نهى كانت تقول له دائمًا إن حكاية الضباط الأحرار من اختراع رجال البوليس .

هذا التقرير جعل المراغى يفكر : هل وصل الضباط الأحرار إلى الملك عن طريق إقناعه بأنهم يقومون بعمل فدائى ضد الانجليز فى قنال السويس ؟ وبسبب كراهية الملك للإنجليز منذ حادث فبراير فإنه أمدهم بالأسلحة وبالمال ؟ ولكن الزجاجات الملتهبة قد تلقى على الدبابات والعربات المصفحة مع مجازفة كبيرة بالحياة . والقاهرة أحرقت بالزجاجات الملتهبة . فهل لعب الملك فاروق مع الضباط الأحرار لعبة الفدائيين ليساعدوه على حرق القاهرة ؟ ولعبوا هم عليه لعبتهم الكبرى . وتظاهروا بأنهم يخدمون هدفه من حرق القاهرة حتى يطيح بالوفد إطاحة لا يتسنى له بعدها أن يعود إلى الحكم فيركن إليهم ويثق بهم وينتفى كل شك فى تقارير البوليس عنهم . إنها خدعة ماهرة ماكرة ولو أنها كانت باهظة الكلفة .. فقد دفع فاروق عرشه ثمنًا لها .
 
مؤامرة الإطاحة
بنجيب الهلالى
كان أحمد عبود يملك شركة السكر وشركة الأسمنت وشركة الفوسفات وشركة البواخر . وقيل إن مجموع ثروته حوالى المائة مليون جنيه . أى إن دخله السنوى يبلغ على الأقل عشرة ملايين جنيه بينما دخل الفلاح ثلاثون جنيهًا فى السنة .

ومع كل هذا ، فإن أحمد عبود لم يكن يدفع الضرائب المستحقة عليه للخزانة . لماذا ؟ لأن بعض رؤساء الوزارات وأغلب وزراء الخزانة كانوا أعضاء فى مجالس إدارات شركاته . وجاءت وزارة الهلالى فى أوائل مارس 1952 تحمل علم التطهير . تريد أن تطهر الإدارة من الفساد ، وأن تصدر قانون من أين لك هذا ، وأن تجعل كل شىء يسير على ما يرام . كان الهلالى أمينًا ونزيهًا . ولكنه كان يحمل لحزب الوفد كراهية شديدة ، لأنه كان عضوًا فيه وانفصل عنه . ولم يكن للهلالى حزب يستند إليه . وكانت كل قوته هى السراى . ولكن التطهير إذا دخل السراى خرج كل من يقيم فيها لا من الأبواب بل من النوافذ .

وقبل الملك برنامج الهلالى على أن يبدأ بالوفد وبالحكومة . أما إذا حاول الاقتراب من القصر ، فعندئذ لكل مقام مقال . وبدأت يد الهلالى تمتد إلى أكبر صديق للوفد وللإنجليز معًا وهو أحمد عبود . ولم يكن أحد من أعضاء وزارة الهلالى قد دخل مجالس شركات عبود . وقلبت دفاتر عبود ، فوجد أنه ماطل الخزانة فى خمسة ملايين جنيه ضرائب .

وأنشب وزير الخزانة أظافره فى عنق عبود وطالبه بها . وأرسل إليه إنذارات على يد محضر بالدفع وإلا اتخذت اجراءات الحجز على امبراطوريته الواسعة .
وأخذ عبود يبحث عن مخلص . فكر فى الإنجليز . ولكنه عدل لأنه يعلم أن الإنجليز لن يساعدوه . فكر فى أن يأتى بمحامين مقتدرين يقيمون الإشكال تلو الإشكال .

عسى أن يمضى وقت طويل تذهب معه حكومة الهلالى . ولكن الحكومة أخذت تضيق عليه الخناق . وكاد أن يصدر الأمر بالحجز على شركاته وأمواله سدادًا للضرائب المتأخرة .

ويرى المراغى أن سفينة الحكم تعرضت للاهتزاز بعد حريق القاهرة ، ويبدو أن ذلك أدى إلى سهولة الإطاحة بالوزارات . وكانت وزارة نجيب الهلالى ـ وهى وزارة غير حزبية وقد جاءت فى ظروف قلقة ـ لم تكن تملك لاكتساب تأييد الجماهير غير رفع شعار الطهارة ومحاربة الفساد ، فقد بدأت يده تمتد إلى أحمد عبود . حتى أصبح مهددًا بالدفع أو الحجز وأخذ عبود يبحث ويبحث إلى أن هداه تفكيره . إلى عدلى أندراوس !