من تراب الطريق (845)

من تراب الطريق (845)
رجائى عطية

رجائى عطية

6:32 ص, الأحد, 26 أبريل 20

مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (54)

التحقيق مع المراغى

يخرج مرتضى المراغى عن سياق ترتيب الأحداث فى شهادته، ليروى مشهدًا واضح من السياق أنه جرى معه بعد قيام ثورة يوليو 1952. يقول المراغى:

جاءنى ضابط وأنا نائم فى الساعة الثالثة صباحًا. وأيقظنى قائلاً:

تعال معى.

قلت الى أين ؟

قال: ليحقق معك.

قلت: فى هذه الساعة المتاخرة ؟

قال: ليس هذا شأنى.

وأدركت أنهم قصدوا ذلك. ففى هذه الساعة يكون الفكر عاطلاً راكدًا، لا يمكن جمع شتاته وحصره للإجابة عن الأسئلة.

وسألنى المحقق: لماذا أردت تكوين فرق الأمن الخاصة ؟

قلت: لحفظ الأمن.

سأل المحقق: وهل حفظ الأمن يقتضى كل هذه القوة المسلحة ؟

أجبت: حفظ الأمن يقتضى قوة مسلحة ضخمة دائمًا، وخصوصًا فى الاوقات العصيبة.

سأل المحقق: مثل ماذا ؟

قلت: مثل حريق القاهرة.

سأل المحقق: ولماذا تجند جنود أمن السودان ؟

قلت: هؤلاء جنود سبق أن خدموا فى مصر.

سأل المحقق ( بغيظ ): ألم يكن لك غرض آخر ؟

قلت: لا. ولكنى وددت أن أعرف تصوركم لهذا الغرض.

سأل المحقق: ألم يكن غرضك إحباط حركة الضباط الأحرار.

قلت: ولما لا تفسر غرضى بعكس ذلك ؟

ودام التحيق على هذا النمط ليالى طولية حتى ضاق صدرى من قلة النوم والإجهاد. فما أن بدأ التحقيق فى المرة الأخيرة حتى قلت:

اكتب يا حضرة المحقق.. لقد أردت من إنشاء هذه القوة أن أقوم بانقلاب كالذى قمتم به. وأنى فى هذا المعتقل لسبب واحد هو أنى فشلت ونجحتم أنتم.. ومن العجيب أنه بدت على أساريرهم علامات الارتياح والراحة ومن يومها انقطع التحقيق معى.

تحقيق سابق على الثورة يكشف وجيه أباظة والبغوادى

يعود المراغى إلى ترتيب السياق الزمنى للأحداث، فيروى أن البوليس اعتقل محاميًا يدعى الأستاذ جمال طولان، وهو عضو بارز فى الحزب الاشتراكى وجرى معه تحقيق فى يوم 10 مارس 1952 بدأه المحقق بأن سأله عن موضوع الزجاجات الملتهبة التى قيل: إنها استخدمت فى إشعال حرائق القاهرة. وطلب منه أن يكتب تقريرًا بنفسه. فرفض جمال طولان أن يكتب التقرير لأن فى ذلك خطورة عليه. ولكنه سيملى على المحقق ليكتب.

بدأ المحقق يعد نفسه للكتابة فوجىء بجمال طولان يسأله: هل لوجيه اباظه علاقة بالقصر ؟ وهل هو مكلف من القصر للقيام بأعمال معينة ؟

قال المحقق : لا أظن أن لوجية اباظة علاقة بالقصر.

قال جمال طولان : إذن أرجوك أن تكتب.

وبدأ المحقق يكتب ما يمليه عليه جمال طولان.. وكان ما يلى:

« بعد إلغاء المعاهدة بحوالى أسبوعين، تم الاتصال بين جمال طولان وشخص عرف أنه ضابط فى الجيش برتبة البكباشى واسمه على، وكان مرتديًا ملابس مدنية، وهو ممتلىء الجسم أبيض اللون وفى وجهه حمرة وله شارب كبير. كانت المقابلة فى هيليوبوليس عند سينما روكسى. ونزل طولان من التاكسى ووجد الضابط بجوار سيارة صغيرة سوداء. وسأله الضابط :

هل أنت جمال ؟

فقال : نعم.

وركبا سيارة الضابط فى اتجاه سراى القبة. وفى مكان خال من المبانى وقفت السيارة وقال الضابط :

أنا معى هدية جميلة فى الدرج الخلفى للسيارة.

وفتح الضابط الدرج وأراه صندوقًا فيه زجاجات ملتهبة، وحول الزجاجات نشارة خشب حتى لا تكسر وقال له: إذا أردت الحصول على سلاح أيضًا فتوجه الى إدارة المخابرات، وهى تقع امام الكلية الحربية واسأل عن ضابط اسمه عصمت، وهو على علم بقدومك