فى مساء يوم 15 أبريل 1952 توجه الملك إلى منزل نهى فى الساعة العاشرة مساءً ليتناول العشاء ويلعب الورق مع بعض أصدقائه. وكان مدخل المنزل قليل الضوء يحجبه عن المنزل المجاور حائط مكلل بأشجار الياسمين. ولم يكن الحائط عاليًا، ونهايته التى تؤدى إلى المدخل الداخلى للمنزل كانت مظلمة تمامًا. ولما نزل الملك من السيارة، لم يتقدم هو للدخول بل سبقه رجل الحاشية الإيطالى بولى وتبعه الملك، وأطلق شخص كان فى الناحية الأخرى من الحائط النار. فأصاب بولى فى ساقه، ونجا الملك، وفر الذى أطلق النار.
وأخفى الملك عن وزارة الداخلية الحادث. ولكنه طلب تعيين حارسين أحدهما أمام مدخل المنزل والآخر وراء الحائط. كما أمر بوضع أنوار فوق الحائط.
ويضيف المراغى أن الواقعة تناهت إليه رغم حرص الملك على حجبها، وأنه تحرى عنها، وتلمح من سطوره أنه يشير إلى أن الفاعل هو مصطفى كمال صدقى.
منشورات الضباط الأحرار
ويروى مرتضى المراغى أنه تلقى مكالمة من رئيس المباحث السياسية ليبلغه بأنه يريد مقابلته لأمر عاجل، فأجابه بأنه سيلقاه على الفور، ولكن رئيس المباحث أضاف أن الأمر مهم جدًا، وأنه يرجو أن يتحدث إليه فيه على إنفراد. وقد كان.
ويستأنف المراغى شهادته، بأنه كان قد وصل إليهم من عشرة أيام أن منشورات الضباط الأحرار تطبع فى مطبعة روتينية فى ثكنة فرقة المشاة المعسكرة فى المعادى قرب مدينة القاهرة. وراقبا الثكنة من الخارج، فوجدوا أنه يدخلها اليوزباشى مصطفى واليوزباشى خالد وهما ليسا من ضباط الفرقة، وانهما يمكثان زمنًا ثم يخرجان يحملان حقيبتين جلديتين منتفختين، وكانا فارغتين عند دخولهما. وتأكدت شكوكهم من صحة المعلومات التى وصلت إليهم. وأخذ المراغى يفكر فيما يجب أن يصنع. هل يخطر الفريق محمد حيدر ؟ إنه يقول دائمًا عن حركة الضباط الأحرار إنها شقاوة عيال، وإنه هو وكبار الضباط قابضون على زمام الجيش بقوة. ولن يسره أن يصل إليه الخبر من وزارة الداخلية بدل أن يصل اليه من مخابراته العسكرية. وبدا للمراغى فورًا أنه من المستحسن ألا يبلغه. هل يطلب من اللواء حسين فريد رئيس الأركان أن يقوم هو بالإجراءات ؟ لقد خاب أمله فيه، ولم يعد محل ثقته. هل يخطر رئيس الديوان ليبلغ الملك ؟ هناك احتمال قوى بأنه يبلغ الأمر إلى الفريق حيدر. إذن
فما الذى عليه أن يفعله ؟ قرر أن يسلك سبيلاً وعرًا تحفه المخاطرة. أن يترك رجال البوليس يقومون بتفتيش ثكنة الجيش مستعملاً سلطته كوزير للحربية.
والمخاطرة واضحة. فإن رجال البوليس لو فتشوا الثكنة ولم يجدوا مطبعة أو منشورات فمسؤوليته ستكون فادحة. وأقل ما يجب عليه عمله هو أن يستقيل. ولكنه توكل وعزم .
قال لرئيس المباحث : متى لاحظتم أن الضابطين مصطفى وخالد يدخلان الثكنة ويخرجان ؟
قال الضابط : الساعة التاسعة صباحًا يدخلان ويخرجان بالحقيبتين الساعة الثانية عشرة.
كتب المراغى التالى الى قائد الثكنة ووضعه فى ظرف وصمغه وأغلقه :
» إلى قومندان ثكنة المعادى، سيحضر إليك الأميرالاى إبراهيم ومعه ستة من ضباط المباحث الساعة العاشرة والنصف صباحًا. وعليك بمجرد الاطلاع على الخطاب أن تتصل بى مباشرة تلفونيًا فى مكتبى فى وزارة الحربية «. وكتب له نمرة تليفونه الخاصة المباشرة .
أعطى الخطاب لرئيس المباحث وقال له أن يكون فى مكتب القومندان الثكنة الساعة العاشرة والنصف صباحًا، وأن يسلمه الخطاب وينتظر فى مكتبه حتى تتم المحادثة التلفونية.
ونترك المراغى يروى المحادثة بلسانه :
«توجه الضابط فعلاً، وفى الساعة العاشرة والدقيقة الخامسة والثلاثين دق جرس تليفونى الخاص، ورددت.
قال المتكلم : أنا قومندان ثكنة المعادى.. هل أنت الوزير ؟
قلت : نعم. هل قرأت الخطاب ؟
قائد الثكنة : نعم.
قلت : إن فى الثكنة مطبعة تطبع منشورات تحرض على الثورة، يطبعها بعض ضباط الجيش. وعليك الآن أن تسمح للأميرالاى إبراهيم وضباطه بالدخول إلى الثكنة للتفتيش فورًا.
غاب عنى لفترة صوت قائد الثكنة ..
قلت : ألا تسمعنى ؟
قال قائد الثكنة وقد وضح التردد فى صوته : ولكن يا أفندم ألا ترون أنه يجب الاتصال بالفريق حيدر وإبلاغه ؟
قلت : أنا وزير الحربية، وعليك أن تنفذ ما أمرتك به فورًا وبلا تردد، وإلاَّ تحملت المسؤولية، وعليك أن تصحبهم فى التفتيش.
قال قائد الثكنة : أنا لا أقصد عصيان الأمر، ولكن هذا هو الروتين المتبع.
قلت : نفذ الأمر فورًا، ودع لى مسؤولية الروتين.
ودخل الضباط وفتشوا الثكنة وعثروا على المطبعة وعلى منشور جاء فيه :
» يا ضباط الجيش. ثوروا على الملك الخائن وحكومته العميلة للاستعمار. أقضوا عليهم جميعًا بلا رحمة. إن عهد الطاغية يجب أن يزول، ورأسه يجب أن تسحق ».