مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (44)
وأبدى علىّ ماهر أنه طلب التمهل، ولكن الملك أمر وطلب حل البرلمان، وطلب عرض أمر الحل على مجلس الوزراء.
واستطلعه المراغى عن رأيه هو، فقال علىّ ماهر إنه لا يريد أن يصطدم مع الملك، وعلينا أن نقبل حل البرلمان، ولكنه طلب من الوزراء أن يبقى مرسوم الحل طى الكتمان.
ومع ما ارتسم على وجوه الوزراء من دهشة، سأله أحدهم عن سبب بقاء الحل سرًّا؟
قال على ماهر : إنى سأدخل فى مفاوضات مع الإنجليز، ولا أريد أن أهاجم من حزب الوفد لئلا يضعف مركزى مع الإنجليز.
وقال أحد الوزراء : وكيف يمكن أن يبقى أمر الحل فى طى الكتمان ؟
قال على ماهر : أريدكم أن تكتموه ولا تذيعوه على الصحافة وسيبقى الأمر فى جيبى الى أن أرى الظروف مناسبة لإعلانه.
«ولكن حدث ما ليس فى حسبان على ماهر . فقد أوعز الملك إلى الدكتور حافظ عفيفى باشا رئيس ديوانه حين رأى أن أمر الحل لم ينشر ــ أوعز إليه بالإتصال بإحدى الصحف الكبرى وإبلاغها بقرار الحل فنشرته وثار على ماهر وطلب المراغى ليسأل : كيف سمح وهو الرقيب العام للصحف بنشر أمر الحل ؟
قال المراغى: إن الصحف نشرته رغم اعتراض الرقيب وتحملت مسؤولية نشره والصحافة موضوعة تحت الرقابة فيما يختص بالأنباء العسكرية أو الضارة بأمن الدولة، وليس أمر الحل من الأنباء العسكرية او ضارة بأمن الدولة.
قال على ماهر للمراغى : إنك تريد فضيحتى.
فرد المراغى قائلاً : إذا كان أمر الحل فضيحة فلماذا قبلته ؟ إن الفضيحة هى أن نكون مع الوفد بوجه ومع الملك بوجه آخر».
ويضيف المراغى أنه «ترك علىّ ماهر والعلاقة بينهما قد وصلت الى درجة كبيرة من السوء. وكان هذا شيئًا مؤسفًا للغاية، فالحالة الداخلية فى البلد لم تكن تسمح بأن يقوم نزاع بين رئيس الحكومة ووزير الداخلية المشرف على الأمن. إن حريق القاهرة قد ترك مصر تغلى من السخط وكان أكثر السخط موجهًا ضد القصر وقد أذكت نار السخط عناصر قوية جدًا. فالوفديون لم يكونوا راضين عن إقالة النحاس وعن حل البرلمان.
والإخوان المسلمون كانوا يجمعون السلاح بكثرة ويريدون رأس الملك وقلب نظام الحكم ليتولوا هم الحكم أو يدخلوه على الأقل. والجيش ثائر على الملك وتجمعات الضباط الاحرار أخذت تزيد. كل ذلك كان معلومًا والمفروض أن تكون الحكومة التى تواجه الموقف حكومة متماسكة، وإذ فكر المراغى فى هذا كثيرًا فإنه طلب مقابلة علىّ ماهر وقابله وأبدى له كل هذه الافكار التى جالت بخاطره، فرد عليه ماهر بأنه يوافق على ما قاله، ويرجو أن ينسى ما حصل بينهما وأن يتعاونا معًا بنية سليمة، ولكن ما هى إلاَّ أيام قليلة حتى بدأت الأزمات من جديد».
على ماهر يتهرب من مقابلة المراغى
وتلك قصة غريبة عما كان يجرى بين الرجلين من شد وجذب لا تستقيم بهما علاقة رئيس مجلس الوزراء بأحد وزرائه المهمين، وفحوى القصة أن علىّ ماهر باشا أنهى إلى المراغى أن هناك حريقًا مشتعلاً بجامعة فاروق ( الإسكندرية الآن )، وبدا للمراغى أن الخبر صحيح حين اتصل باللواء يسرى قمحة حكمدار الإسكندرية، فقيل له إنه ذهب إلى جامعة الإسكندرية، وكان من وقع الخبر أن فكر المراغى جديًّا فى الاستقالة لفداحة احتراق إحدى جامعات مصر الكبرى الثلاث فى عهده، وسارع للاتصال بالدكتور مصطفى عامر رئيس جامعة فاروق، ليفاجأ بأن الخبر لا أساس له من الصحة، وأن اللواء يسرى قمحة لديه بالمكتب فى شأن موضوع خاص بابن اخته الذى يريد ادخاله الجامعة.
وكان وقع هذه المفاجأة كبير على الوزير المراغى، ومن ثم فإنه غادر مكتبه على الفور ـ فيما يروى ـ إلى مكتب علىّ ماهر باشا فى رئاسة مجلس الوزراء. يقول المراغى :
«وبدون حتى أن أستأذن سكرتيره وجدت نفسى افتح مكتبه كأننى أقتحمه..
«ولابد أنه بذكائه كان يتوقع شيئًا من ذلك فقد وجدته أول ما شاهدنى يغادر كرسيه فى مكتبه ويجرى ناحيتى ويقول لى : اتفضل فى الصالون لأن الأستاذ إسماعيل الأزهرى معى وأنا باتكلم معاه وأول ما اخلص حاجيلك.
«كان الأستاذ إسماعيل الأزهرى موجودًا بالمكتب بالفعل وقد أخذ يتحدث معى وأشعرنى ذلك بالخجل من التسرع فى دخول المكتب دون استئذان..
«وتركت غرفة مكتب على ماهر وذهبت إلى الصالون الملحق بالمكتب أنتظر على ماهر ولكن مضت نحو ساعة دون أن يحضر..
«وعندما سألت تبين أنه غادر مبنى رئاسة الوزراء !
«وجدت نفسى أدخل مكتبه والتقط ورقة كتبت فيها استقالتى ثم استدعيت مدير مكتبه وقلت له : إن هناك خطابًا أرجو أن تسلمه بنفسك إلى على باشا ماهر.
«ولكن ما هى إلاَّ ساعات حتى اتصل بى مـحمد على رشدى وزير العدل وسعد اللبان..
«كان واضحًا أن على ماهر أبلغهما وقلت لهما إننى لا أستطيع التعاون مع هذا الرجل وإننى مصمم على الاستقالة.. ولكن فى الصباح دخل علىَّ الخادم يبلغنى أن رفعة رئيس الوزراء مر علىَّ بالمنزل وترك لى بطاقته.
«وبعد دقائق كان على ماهر يتصل بى من مكتبه برئاسة الوزراء ويرجونى رجاء شديدًا أن أعدل عن الاستقالة التى لم تكن الأخيرة».
www. ragai2009.com
[email protected]