مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق ( 35 )
يروى مرتضى المراغى أنه إذ سمع رسالة البنا التى يريد توصيلها إلى الملك، فإنه سكت مليًّا، ثم قال لحسن البنا الذى كان يحدق فيه بنظرة نفاذة ليعرف تأثير كلامه: «يا أستاذ حسن، إن رسالتك خطيرة، وسأبلغها إلى الملك، وسأبلغ رأيك فى حل الإخوان وخطورة عاقبته إلى النقراشى».
فهز الأستاذ البنا رأسه ليكرر: «إنى أعرف أنه عنيد، وسينفذ رأيه، ولكنى رجوت أن تخبر الملك لعله يقنعه بالعدول عن تلك الجريمة النكراء».
ثم كرر قائلاً وعيناه تقدحان: «نعم. إنها جريمة نكراء يريد النقراشى ارتكابها. هل يظن أننا لعبة فى يده يستطيع تحطيمها بسهولة؟!»
قتل النقراشى باشا
مضى مرتضى المراغى يصف اللقاء وانطباعه به، وما تلاه، وأوثر هنا أن أنقل للقارئ كلامه بنصه ولفظه. قال: «وانقلب الشيخ الوديع نمرًا هائجًا، ولكنه عاد إلى طبيعته الهادئة حينما رآنى أنظر إليه، وضحك قائلاً: «لا تؤاخذنى إذ نسيت نفسى.
قلت: يا أستاذ حسن، إن الإخوان المسلمين أصبح عددهم كبيرًا، وأصبحوا قوة. وخصومكم يقولون: إنكم انحرفتم عن أن تكونوا جماعة دينية، وأصبحتم حزبًا سياسيًا، لأنكم تقولون: إن الإسلام دين وسياسة، فلماذا لا تتقدمون للانتخاب ليكون لكم نواب يدافعون عن وجهة نظركم؟
قال الشيخ حسن: لقد قدمنا بعض المرشحين من أعضاء الجماعة إلى الانتخابات، لا باعتبارهم إخوانًا مسلمين، لأننا نعلم أن الحكومة ستعمل على إسقاطهم، ولكن كمستقلين. ولكن الحكومة عملت جهدها على اسقاطهم. أتدرى يا أستاذ مراغى متى نستطيع دخول الانتخابات بصفتنا إخوانًا مسلمين؟
قلت: متى؟
قال: حين يقبل الملك أن يكون لنا فى الوزارة وزيران أو ثلاثة وزراء. عندئذ نعرف كيف نحظى بعدد من كراسى مجلس النواب.
قلت: هل تعنى أنكم تقبلون دخول الوزارة إذا دعاكم الملك من دون شروط؟
قال: نعم من دون أية شروط. لأن وجودنا ضرورى لخدمة البلد. إن برنامجنا الاجتماعى إصلاحى يقوم على أسس قوية.
قلت: يا أستاذ حسن. وماذا يصنع وزراؤكم فى رخص نوادى الميسر والملاهى والبارات والخمر؟
ضحك الأستاذ وقال: هذه قفشة لا بأس بها، ولكن تتعدل. وعسى أن يستطيع وزراؤنا إزالة ذلك المنكر.
قلت: لعل هذا من باب «والله لنخوضن إليكم الباطل حتى نصل إلى الحق». أو من باب الضرورات تبيح المحظورات.
قال الأستاذ: نعم لك الحق. لقد فهمتها جيدًا وفسرتها يا أستاذ مرتضى».
***
وفى اليوم التالى قابلت النقراشى باشا ورويت له الرواية.
فهز رأسه استخفافًا وقال:
كان أحسن لو لم تقابله.
قلت له: بل كان واجبًا. ثم أخبرته بأنى سأرسل تقريرًا إلى الملك عن مضمون رسالته له فصرخ قائلاً:
إنى آمرك ألاَّ ترسل شيئًا إلى الملك.
قلت: لقد وعدته.
قال: كيف تعده من دون إذنى؟
قلت: قد أكون أخطأت وأرجوك أن تبلغ الرسالة أنت إلى الملك.
وكنت بالفعل قد كتبت تقريرًا بموضوع المقابلة سلمت النقراشى نسخة منه. فصرخ قائلاً:
هل تريد أن تفرض على رأيك؟
قلت أعلم أنى موظف فى وزارة الداخلية، وأنت الوزير. ولكنى بصفتى مدير للأمن العام، أقول لك: إن العواقب خطيرة.
وفى هذه الأثناء دخل عبد الرحمن عمار وكيل الوزارة، وكان النقراشى هائجًا مربدّ الوجه. فأشار إليه النقراشى بالجلوس، وقال: أنظر ما فعله مدير الأمن وقص عليه الرواية.
وإذا بعبد الرحمن عمار يقول:
على كل حال المسألة منتهية يا دولة الرئيس، فقد انتهيت من وضع قرار حل جماعة الإخوان المسلمين، وسأعرضه غدًا على دولتكم لتوقيعه.
هالنى الأمر. فقلت: أرجو يا دولة الرئيس أن تقدر خطورة الأمر وأن تتمهل فى إصدار القرار. إن الإخوان المسلمون يشكلون منظمات وخلايا سرية لا علم لوزارة الداخلية حتى الآن بأسماء أعضائها. وقد يكون بعضهم داخل الوزارة ومن حراس الأمن. وأنا أعلم أن كثيرين من ضباط الجيش هم من جماعة الإخوان.
قال النقراشى: هل تريد أن نقر الإرهاب وتريد أن نعترف بشرعيتهم. لأنه حكم على بعضهم بالسجن. فهل تسمح لهذه الجماعة بأن تتمادى إلى حد قتل القضاة؟ لا بد لى من حل هذه الجماعة.
ثم ضحك وقال: إنى أعرف ديتها، إنها رصاصة أو رصاصتان فى صدرى.
وصدقت نبوءة النقراشى. إذ حين توجه إلى وزارة الداخلية حوالى الساعة التاسعة صباحًا، وهم بدخول المصعد، تقدم منه شاب يرتدى ملابس ضابط بوليس وأطلق عليه رصاصة من الخلف أصابت القلب وتوفى على الأثر. وكانت الوزارة من الخارج والداخل محروسة بما لا يقل عن مائتى شرطى مسلحين جميعًا بالبنادق الأوتوماتيكية. والغريب أن أحدًا من الذين كانوا فى بهو الوزارة وأمام المصعد لم يحاول أن يطلق على الجانى طلقة واحدة أو يحاول إمساكه !! ولعل هول المفاجئة أذهلهم. وخرج الضابط المزيف إلى فناء الوزارة محاولاً الهروب. ولكن قبض عليه وتبين أنه من جماعة الإخوان المسلمين.
www. ragai2009.com