مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق ( 27)
فكرت طويلاً فيما عساى آخذه أو أطرحه فى الفصل المعنون: «ملكة مصر المقبلة تحلم»، وعناوينه الفرعية: المرأة التى استولت على فاروق وحجبت عنه رؤية الثورة. قال لها أريد أن أتزوجك ثم طلب منها أن تكون وصيفة ناريمان، وهذا الشق بالذات هو الذى دار حوله تفكيرى، أما ما بقى عن استدعاء إبراهيم عبد الهادى لعبد الناصر وسؤاله عن الضباط الأحرار، أو تحليل موقف السادات إبان الإعداد للثورة، وهل كان موقعه إلى جانب يوسف رشاد هدفًا من أهداف الحركة، فلا بأس ـ بداهة ـ من تناوله.
أما الشق الخاص بأحلام الملكة، والمرأة التى استولت على فاروق، فقد قررت بعد تفكير طويل أن أستبعده، لمساسه بالأعراض وبغير دليل، ولأن أسلوب تناوله أسلوب روائى يعتمد فى معظمه على الخيال فى تصوير ووصف مشاهد لم يحضرها المؤلف، ومن المحال أن يعرف التفاصيل الدقيقة التى يصفها حتى رشفة الشاى وجرس التليفون وإغفاءة التثاؤب، مهما كان الجهاز الذى يعتمد عليه فى جمع المعلومات، فقد صور تصويرًا أقرب إلى خيال الروائى منه إلى الحقائق التى يجب أن يلتزمها المؤلف بدقة، لا سيما فى مسائل الأعراض التى لا يجوز الخوض فيها أساسًا، ناهيك أن يكون الخوض بغير بيّنة، وأقرب إلى خيال القصاصين.
استدعاء إبراهيم عبد الهادى للضابط جمال عبد الناصر، واقعة ثابتة ترددت فى أكثر من مؤلف، ويرويها مرتضى المراغى هنا رواية رجل الداخلية القوى المطلع، وأهمية هذه الواقعة أن نبأ الضباط الأحرار كان قد بدأ يتسرب قبل قيامهم بالحركة ليلة 23 يوليو 1952.
كانت بداية تكوين الحرس الحديدى فى عام 1943، ولم يكن مصطفى كمال صدقى وخالد فهمى وحسن قد دخلوه، وإن كان قد دخله ضابطان آخران كانا على صلة وثيقة بالدكتور يوسف رشاد، وقد قدم يوسف رشاد لهما خدمات جمّة إلى أن جاءت حرب 1948 وقامت إثر انتهائها حركة الضباط الأحرار، والتى كانت دوافعها إرسال الجيش إلى حرب إسرائيل بغير استعداد (وقد تكرر هذا عام 1967) وتحت قيادة هزيلة وبأسلحة فاسدة أو غير كافية.
ويضيف المراغى أن حركة الضباط الأحرار لم تكن خافية على الحكومة، وقد عرف بقيامها إبراهيم عبد الهادى رئيس الوزراء، بل هو عرف أن المرحوم جمال عبد الناصر كان على رأس الحركة فأرسل يستدعيه بحضور الفريق محمد حيدر وزير الحربية وقائد الجيش.
ويضيف المراغى تفاصيل مشهد لقاء عبد الناصر بإبراهيم عبد الهادى، والذى سأله عن قيادته لحركة الضباط الأحرار، فنفى عبد الناصر، ولكنه تردد ثم أقسم حين طالبه
عبد الهادى بأن يقسم بأنه لا يكون حركة، وأراد حيدر أن يبسط الأمور، فأورى بأن ما وصل إلى رئيس الوزراء مبالغ فيه، وأن الأمر لا يعدو لقاءات ودردشة ولعب الورق أحيانًا بين الأصدقاء.
وقد كانت هذه المحادثة ـ فيما يضيف مرتضى المراغى ـ إنذارًا لعبد الناصر بأن يأخذ حذره وأن يعمل تحت طى الكتمان الشديد. وأصبح الشخص المتهم أمام الحكومة والذى تلوك اسمه الألسن ليس عبد الناصر ولكنه اسم آخر.
هو اسم أنور السادات، كان اسم السادات هو الذى يتردد على أنه زعيم الضبط الأحرار، باعتبار أنه كان مع عزيز المصرى يؤيد المحور ضد الإنجليز سنة 1942. وقد فصل من الجيش، لذلك لم يعد إلاّ سنة 1948. وقد اعتقل فى سجن المنيا سنة 1942، اعتقلته حكومة الوفد بإيعاز من الإنجليز. كل هذه الأحداث جعلت اسمه بارزًا كضابط ثائر وما دامت هناك حركة ثوار فلا بد أن يكون السادات على رأسها. كانت أغلب تقارير البوليس إذا تناولت حركة الضباط الأحرار رددت اسم البكباشى أنور السادات، ولم يظهر اسم جمال عبد الناصر وأعضاء مجلس قيادة الثورة إلاّ متأخرًا عام 1952.
ويرى المراغى أن الثورة قد انتفعت كثيرًا من كون واجهة السادات حجبت واجهة الآخرين، فراحت تعمل فى الخفاء والعيون تراقب السادات ولا تراقب الباقين إلى لحظة متأخرة قبل قيام الثورة.
كما استفادت حركة الضباط الأحرار أيضًا من صداقته للدكتور يوسف رشاد الذى اقنع فاروق بإعادة السادات إلى الجيش فى عام 1948 بعد أن فصل منه. وقد قيل كثيرًا: إن السادات أصبح عضوًا فى الحرس الحديدى، ومعلوم أنه اتهم بقتل أمين عثمان وبُرئ،ِ ولو أن السادات لم يفكر يومًا أنه شارك فى قتل أمين عثمان، والضابط مصطفى قال: إن السادات كان يصحبه فى السيارة التى وقفت أمام دار النحاس وفجر فيها قنبلة.
www. ragai2009.com
[email protected]