مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (14)
توقف مرتضى المراغى عند طفولة فاروق، ليبين كيف كانت طفولة غريبة، فقد كانت طفولته إنعزالية داخل أسوار القصر. لم يكن يرى والده إلاَّ نادرًا.
وكـان دائمًا بصحبـة أمه. والمفروض فى الطفل أن يكون له أصحاب من سنه يلعب معهم. ولكن الملك فؤاد حرم ابنه هذه المتعة الضرورية. كان فاروق لا يتكلم إلاَّ مع مربياته الثلاث : الانجليزية والفرنسية والإيطالية ومع مدرسين لبعض العلوم جلبهم أبوه له ليعلموه داخل أسـوار القصر.
لقد أبى حتى أن يرسل ابنه إلى أحد المدارس الخاصة التى تعلم أبناء الطبقة الراقية حتى لا يختلط بأبناء المصريين. وفى هذا دلالة واضحة على شعور الملك فؤاد نحو شعبه، وأقول إن هذه الدلالة لم تكن فقط فى نفس الملك فؤاد بل تكاد يكون شعورًا عامًا فى نفوس أمراء الأسرة المالكة جميعًا.
وقد أحب فاروق أمه حبًّا جمًّا والتصق بها بمقدار كرهه لأبيه لما لمسه من قسوته البالغة وغيرته الهوجاء على الملكة، فلا ينقضى يوم من غير أن يعنفها ويشتمها أمـام ابنها. وكان يرى المهانة التى تتعرض لها أمه من مديرة القصر « الكلفة » التى كانت لها حظوة بالغة عند الملك فؤاد. وكانت هذه الكلفة هى الآمر الناهية فى القصر حتى إنها كانت تحطم أوامر الملكة وتأمر خدم القصر بألاّ يأبهوا لها.
وكانت تتجسس على الملكة وتنقل إلى الملك عنها أخبارًا كاذبة لتثير غضبه عليها. وقد نقلت إليه مرة أن الملكة كانت واقفه شبه عارية فى شباك غرفتها تبتسم لأحد ضباط الحرس الشبان. وكان جميل المظهر. فذهب الملك لتوّه إلى غرفة الملكة وقد لسعته عقـارب الغيرة.
ولسوء حظ الملكة وجدها قريبة من النافذة حين فتح الباب، فانهال عليها لكمًا وركلاً وأصابها بجراح فى وجهها أمام فاروق. ومنذ ذلك اليوم لم يبق من الحرس الملكى ضابط حسن الصورة. وعلمت الملكة أن التى وشت بها هى « الكلفة » وكانت تعلم أن للملك علاقة خاصة معها. وأرادت أن تتحين الفرصة لتفاجئ الملك معها وتكيل له الصاع. وهداها تفكيرها إلى أن ترسل فاروق يتلصص على أبيه من ثقب الباب ويستمع إلى ما يدور بينه وبين الكلفة.
وهكذا كانت طفولة فاروق حرمانًا من صحبة الأطفال وابتعادًا عن أبيه ورؤيته لأمه وهى تُضرب وتُهان، واستماعه أغلب الوقت إلى حديث السيدات اللاتى يُسمح لهن بدخول القصر للتحدث إلى أمه، ومن هذه العوامل نشأ فى نفس فاروق مركبات نقص لازمته طـوال حياته. فكان وهو ملك يدخل بيوت أصدقائه من الطبقة الارستقراطية متلصصًا بعد أن يأمر البواب بعدم التحرك، ويمضى وقتًا طويلاً تحت النوافذ يسترق السمع إلى أحاديث أصحاب البيت. ثم يخرج من غير أن يدخل. وكان يحلو له أن يفاجئ عشيقاته ومعه بعض رجال حاشيته. وذات ليله توجه إلى عمارة تقطنها سيدة لها به علاقة، وذهب هو إلى مدخل الشقة وترك رجل الحاشية عند باب الخدم، ودق هو جرس الباب، ولما علمت بأنه فاروق لم تفتح الباب. فأعاد دق الجرس بقوة.
وكان عندها صحفى بدأ يشتهر من عمله فى صحيفة كبيرة فهربته من باب الخدم ليجد نفسه وجهًا لوجه مع رجل الحاشية. وعادت وفتحت الباب للملك وسألها لماذا تمهلت فى فتح الباب. فأخبرته بأنها كانت نائمة. وعلم فاروق ببقية القصة من رجل الحاشية. وأرسل يأمر أصحاب الصحيفة بفصل ذلك المحرر. ولكنه بقى بعد توسل وجاء ووعد بألاَّ يعود إلى مثلها.
وإثباتًا لما رواه المراغى، أرفق بهذا الفصل عددًا من الصور لفاروق.. وهو صغير مع أمه الملكة نازلى، وهو أكبر قليلاً مع شقيقاته الثلاثة أمام أمهم الملكة، وأخرى مع أحمد حسنين القيّم عليه فترة دراسته بلندن عام 1936.
www. ragai2009.com
[email protected]