تحت عنوان: «فاروق بين الواقع والمبالغات» ـ طفق مرتضى المراغى يستعرض جملة مسائل وصولاً إلى الواقع الذى يبتغيه.
ويرى أن فاروق كان ضحية المرض وأبيه، والخلافات العائلية، ومستشارى السوء، وأن أمه نازلى طلبت منه التلصص على أبيه من ثقب الباب، وأن طبيبًا إيطاليًّا حذر الملك فؤاد من احتمال إصابة فاروق بمرض عقلى، وأن السفير البريطانى فى مصر وصف خطاب إقالته للنحاس بأنه خطاب «وقح».
ومع أن مرتضى المراغى ليس من عشاق المصادفات، إلاَّ أنه لا يفوت ملحوظة مؤداها أن يوم «السبت» كان له فى حياة فاروق دور بارز. فقد ولد يوم السبت 11 فبراير 1920، ووقع حريق القاهرة الذى وضع لغمًا تحت عرشه ـ وقع أيضًا يوم السبت 26 يناير 1952، وأن خروجه نهائيًا من مصر كان أيضًا يوم السبت 26 يوليو من نفس العام.
ويرى المراغى أن فاروق كان ضحية عوامل عديدة منها مرضه وهو صغير فى سن التاسعة، والجو العائلى المضطرب الذى كان يخيم على قصر عابدين (علاقة أبيه الملك فؤاد والملكة نازلى) وإباء والده أن يربيه تربية مصرية خالصة، وحرمانه بسبب ذلك من مزاولة اللعب مع أطفال مصريين يتحد فيه روح الصداقة والحب لمصر ويخففون عنه شعور الوحدة.
كان ذلك ترك فى نفس الطفل آثارًا ترسبت فى عقله الباطن.
وحين شب الطفل تم إرساله إلى انجلترا.
وعهد والده إلى «أحمد حسنين» أمر تعليمه، ومن سوء حظ فاروق أن حسنين عمل على إرضاء نزوات من عهد إليه تربيته أكثر من حرصه على تزويده بالمعرفة.
وفى سن السابعة عشرة جلس فاروق على العرش ؛ ووجد الكبار ينحنون له، وعظماء مصر يقبلون يده.
وفى هذه السن الصغيرة زين له المستشار السياسى «على باشا ماهر» فكرة إقالة حكومة الأغلبية بخطاب وصفه السفير البريطانى فى مصر فى ذلك الوقت فى تقرير بعث به إلى حكومته «إننى لم أقرأ فى حياتى إقالة أكثر عنفًا وأشد بذاءة مما فى هذا الخطاب الذى وجهه فاروق إلى مصطفى النحاس»، وهكذا منذ الأشهر الأولى لحكمه خرج فاروق على كل الأعراف الدستورية والسياسية والأخلاقية.
وهكذا ببساطة شديدة يمكن القول بأن فاروق كان ضحية حقيقية.
ضحية المرض، وضحية الخلاف العائلى، وضحية والد لم يكن يحب المصريين، وضحية تنصيبه ملكًا وهو فى طرواة الصبا وضحالة التعليم، ثم بعد ذلك ضحية المستشارين الذين كانوا معه فى القصر، أحدهما «أحمد حسنين» يزين له النزوات، والآخر «على ماهر» يعلمه انتهاك الدستور.
إلاَّ أنه ـ فيما يضيف مرتضى المراغى ـ كان بريئًا من بعض ما أثير حوله.
كان يقال عنه إنه مخمور دائمًا، ولم يكن هذا صحيحًا، بل يصل المراغى إلى حد أنه لم يذق الخمر طوال حياته.
وقيل إنه كان عميلاً للاستعمار البريطانى، ويؤكد المراغى أن ذلك لم يكن صحيحًا، ويؤكد أنه «وطنى صميم» بل وأضمر كراهية مريرة زادت فى داخله تجاه الإنجليز بعدما أهانوه إهانة بالغة يوم 4 فبراير 1942. وقد كان فاروق فى الثانية والعشرين من عمره حين تعرض لهذا الموقف.
وكان يقال إنه زير نساء، ولكن يرى المراغى أنه لم يكن كذلك لأسباب كان يداريها بهذه الافتعالات !
ولعل أغرب ما فى شخصية فاروق ـ فيما يضيف المراغى ـ أنه كان يحاول أن يقال عنه غير الذى هو فيه ؛ بل وكان يبالغ فى بعض التصرفات التى يحاول أن يثبت بها ما كان يتمنى أن يقال عنه وهو غير ذلك ! كان يكذب على الآخرين ويتمنى أيضًا أن يكذب على نفسه.
ويروى مرتضى المراغى إنه كان سكرتيرًا خاصًا للمرحوم محمد باشا محمود رئيس وزراء مصر فى ذلك الوقت.
ومنه سمع هذه الحكاية التى أيدها له فيما بعد والده المرحوم الشيخ مصطفى المراغى شيخ الأزهر الأسبق.
وقد عرف أن مصدر الاثنين فى هذه القصة واحد وهو المرحوم «زكى باشا الإبراشى» ناظر الخاصة الملكية، وخلاصتها أن فاروق أصيب فى طفولته بحمى شوكية نخاعية، دعت والده إلى الاستعانة بالطبيب الإيطالى البروفسور فرجونى، والذى حذر الأب من أن الطفل قد يتعرض إذا حدثت مضاعفات إلى ما قد يؤثر عل المخ !
وإذ أنهى الملك فؤاد إلى زكى الإبراشى ما دار بينه وبين الطبيب الإيطالى بشأن احتمال تأثر الحالة العقلية لولى عهده، ونفى الطبيب لهذا الاحتمال إلاَّ إذا حدثت مضاعفات، وأضاف الملك ستكون مصيبة لو أن المرض ترك أثرًا على عقل ولى عهدى. إنك تعلم أن الشيخوخة ومرض القلب يعتصرانى، وفاروق هو الصبى الوحيد المؤهل لولاية العرش من ذريتى. وآخر مولود جاء بنتًا ولم تبق فى البندقية خرطوشة أخرى. وإن فاروق هو وريث عرش بنيته فى مهب العواصف، وقويته وأمنته فأصبح راسخًا حتى على أشدها وأعتاها، فهل أتركه لوريث لا يجد كفاية من العقل ليحفظ العرش ويصونه ؟!
www. ragai2009.com