مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق (10)
يرى أن يوم 26 يناير 1952، واحد من أهم الأيام فى تاريخ مصر، فقد بدأت به مرحلة اللااستقرار التى مهدت لاستقبال حركة الجيش فجر يوليو 1952.
ويضيف أنه منذ اليوم الأول لتوليه وزارة الداخلية، وهو يسعى لمعرفة الإجابة على السؤال الصعب من الذى أحرق القاهرة. وأنه بعد ما تيسر له من معلومات، وما بذله من تأملات على مدار السنين، توفرت له دلائل وملاحظات تؤكد يقينه بأن الملك فاروق هو نفسه من كان وراء حرق القاهرة.
كان لافتًا للنظر ـ بل للدهشة، أن يشترك ضابط من الجيش وهو محمد على عبد الخالق ومعه جنود السوارى ـ اشتراكًا علنيًّا واضحًا ـ فى المظاهرات التى قامت صباح السبت 26 يناير 1952 كرد فعل لأحداث الإسماعلية فى اليوم السابق.
لم تكن هذه المظاهرات مقصورة فقط ـ فيما يقول ـ على البوليس والطلبة وفئات الشعب المختلفة التى انضمت إليها، وإنما كان الغريب أن يشترك فيها ضابط جيش وجنود جيش، ولم يكن من المعقول أن يجرؤ هذا الضابط وهؤلاء الجنود على السير فى هذه المظاهرات وحدهم دون أن يكون لديهم ضوء أخضر يسمح لهم بذلك. لأن الترجمة الواقعية لاشتراك ضابط عسكرى فى مظاهرات تمرد من قوات مسلحة هى وقوات بلوكات النظام تعنى أمرًا خطيرًا، وعقوبتها صارمة جدًا.
ولم يكن اشتراك الضابط محمد عبد الخالق سرًّا، فقد تم تصويره وهو محمول على الأعناق فى المظاهرات. وعقوبة مثل هذا التصرف صارمة جدًا، لكن الغريب أنه بعد القبض على محمد عبد الخالق وعلى جنود السوارى الذين عُرفت شخصياتهم من الصور الفوتوغرافية وأحيلت إلى النيابة، فإن قيادة الجيش وعلى رأسها الفريق محمد حيدر تدخلت لدى النيابة وطلبت تسليم هؤلاء العسكريين إلى سلطات الجيش لتتولى محاكمتهم بمعرفتها عسكريًّا. وتم تسليمهم بالفعل إلى الجيش.
بيد أن ما توفر لدى مرتضى المراغى من معلومات، أكدت أن أحدًا من هؤلاء لم يُعاقب، لا الضابط ولا أحد من الجنود.
وأضاف مرتضى المراغى حادثتين لهما دلالتهما.
الأولى أنه سمع شخصيًّا أن السلطانة ملك، وهى زوجة السلطان حسين كامل، وكان فاروق يعتبرها بمثابة أم ويستشيرها فى كثير من الأمور، أزعجها ما حدث فى الإسماعيلية بين الإنجليز والبوليس يوم الجمعة 25 يناير، واتصلت بالملك فاروق تسأله تفاصيل الحادث، وعندما عرفت السلطانة ملك منه بما حدث ـ أوضحت له بخبرة السيدة المحنكة أن هذا حادث خطير يعرض البلد إلى منزلق خطير، وكان رد فاروق كما عرفه مرتضى المراغى أنه يوافقها على انزعاجها، ولكن «لابد من إيصال البلد إلى أخطر منزلق حتى يمكن إصلاحه بعد ذلك».
أما الحادثة الثانية، فلم تكن بالسماع كالحادثة الأولى، وإنما اتصل به بالوزارة ـ الدكتور حافظ عفيفى رئيس الديوان الملكى، وطلب رؤيته، وما إن صافحه حين التقيا حتى قال له ضاحكًا : إنت تاعب نفسك فى موضوع حريق القاهرة ليه؟
فلما سأله مرتضى المراغى عن وجه العجب فى ذلك، قال له : هذا موضوع انتهى وفات. والبلد أمامه مسائل كثيرة أخرى تستحق الاهتمام أكثر من حريق القاهرة، وأن كثيرين من موظفى وزارة الداخلية خائفون من أن يحملهم المسئولية، وأنه يرجوه أن يغلق ملف حريق القاهرة.
ولم يتحرج المراغى من أن يسأله : هل هذا رأيه الشخصى أم رأى جلالة الملك، فأجابه قائلاً بابتسامة لها مغزاها ولا تغيب عن فطنة من يتحدث إليه : لا تنس يا أستاذ مرتضى أننى رئيس ديوانه.
وخرج مرتضى المراغى من اللقاء وقد فهم معنى الرسالة، وكان قد عاقب البعض بالفعل بعض رجال الأمن الذين ثبت عليهم الإهمال من تحقيقات النيابة. ويضيف أنه كان قد تردد كثيرًا قبل توقيع العقوبة على أساس أنهم كانوا تحت ضغط ظروف قاسية، إلاَّ أنه آثر توقيع العقوبات ضمانًا للمستقبل.
www. ragai2009.com