مرتضى المراغى شاهدًا على حكم فاروق توابع حريق القاهرة (6)
مضى أحمد حسين فى دفاعه عن نفسه، يتساند إلى أنه كان طريح الفراش بأنفلونزا منذ الخميس 24 يناير، وأنه سمع ببعض مجريات الأحداث من أفراد أسرته الذين نقلوا إليه أنه لا يوجد رجل بوليس بالشارع، فى الوقت الذى قص فيه متحدثًا بالتليفون أنه حال ذهابه إلى عمله بإحدى الوزارات شاهد سيارات لورى مسلحة بعساكر بلوكات النظام وهم يهتفون : أين السلاح يا نحاس ؟ أين السلاح يا سراج الدين ؟ وأنه سمعهم يهتفون بسقوط سراج الدين بالذات، ونقل البعض أنهم تجمعوا فى ميدان السيدة زينب يرددون هتافاتهم ويشد رجال البوليس من آزرهم.
وعلم أحمد حسين ـ فيما يروى بمذكرة دفاعه ـ أن إحدى هذه الفرق المؤلفة من رجال البوليس قد ذهبت إلى الجامعة فى ساعة مبكرة من صباح هذا اليوم، وعسكرت بها مع فريق آخر من عساكر الجيش، فى انتظار مقدم الطلبة الذين بمجرد توافدهم عقد عساكر البوليس مؤتمرًا وراحوا يخطبون ضد الحكومة ويدعون للثورة والتمرد.
ويضيف أحمد حسين أنه علم فيما بعد أن أحد الوزراء شاهد بنفسه هذا المؤتمر فى الصباح وسمع ما قيل فيه عن بُعد، ولم يشأ أن يظهر نفسه خوفًا من تطور الأمور إلى ما هو أسوأ.
وقد استمر مؤتمر العساكر والطلاب حتى الساعة العاشرة صباحًا ثم تكونت مظاهرة يقودها رجال البوليس وعساكر من الجيش وعدد كبير من طلاب الجامعة ونزلت فى طريقها إلى مجلس الوزراء فقابلها فى الطريق بعض ضباط الجيش وجنوده «فى ميدان الإسماعيلية» فانضموا إلى المظاهرة التى تضخمت وأصبحت شديدة الخطر.
ثم وصل إلى علم أحمد حسين بطريق التليفون ـ فيما يقول ـ أن ما حدث فى الجامعة حدث مثله فى الأزهر. فإن عساكر بلوكات النظام فى أثناء نزولهم من معسكراتهم مرورًا بمنطقة الأزهر وخطبوا فى طلابه وخطب الطلاب بينهم وأن مظاهرة ضخمة تألفت على الفور وسارت فى شارع الأزهر وبدأت جموع الشعب تنضم إليها بأعداد ضخمة.
وأبلغه مندوب آخر أن عمال ورش الحكومة المختلفة قد نزلوا بجموعهم الضخمة وهم يهتفون ضد الحكومة وضد وزير الداخلية ويطالبون بالسلاح وإعلان الحرب ضد الإنجليز وأن رجال البوليس يسيرون معهم ويشتركون فى الهتافات والجميع يهتفون : أين الجيش ؟!
ثم أبلغه متحدث آخر أن مظاهرة كبرى تنحدر من ناحية القلعة مخترقة شارع محمد على وأن الذين يقودون هذه المظاهرة هم بدورهم عساكر من بلوكات النظام وأن عسكريًا من الجيش وآخر من البوليس محمولين على الأعناق يتوليان الهتاف. وهما بدورهما يطالبان بالسلاح وبإسقاط حيدر وينعيان على الجيش عدم تدخله. وكان بين الهتافات التى راح العسكر يرددونها «يحيا الطلبة مع الحكام» ويعنى بالحكام رجال البوليس.
ومنذ الساعة العاشرة صباحًا بدأت جموع المتظاهرين تتجه صوب مجلس الوزراء وتحيط به. وقد أبلغت أن البوليس أو بالأحرى حرس الوزارات قد فتح الأبواب للمتظاهرين الذين ملئوا حديقة المجلس وارتفعت هتافاتهم ضد الجيش وضد حيدر ومطالبته بالسلاح وضد سراج الدين.
وعندما وفدت بعض فرق بلوكات النظام حوالى الساعة الحادية عشرة أبلغت أنهم بدأوا يطلقون الرصاص فى الهواء تحية للجماهير وإرهابًا للسلطات وتحولت الجموع حول مجلس الوزراء كالبحر الزاخر يدوى هتافهم كالرعد. وكان رجال البوليس وعساكر من الجيش يختلطون بالمتظاهرين كأنهم أفراد منهم.
ويروى الأستاذ أحمد حسين أنه بعد أن تجمعت لديه الأنباء التى تدل على أن القاهرة فى حالة ثورة خطيرة، وأن الحكومة التى أوصلت الأمور إلى هذا الحد لا ينبغى أن تبقى فى الحكم دقيقة واحدة لإنقاذ الموقف وأن وزير الداخلية الذى أوصل الأمور إلى حد تمرد رجال البوليس والجيش يجب أن يحمل المسئولية.
وعلى ذلك فقد بادر بالاتصال بالأستاذ مصطفى أمين صاحب أخبار اليوم لعلمه ـ فيما يقول ـ باتصاله الوثيق برئيس الديوان حافظ عفيفى فسأله عما لديه من معلومات عن الحالة فوجد أن لديه صورة كاملة عن الموقف بما فى ذلك محاصرة البوليس والمتظاهرين لمجلس الوزراء وإطلاقهم الأعيرة النارية فى الهواء وأن خمسة آلاف من عساكر بلوكات النظام هم الذين قاموا بهذه الحركة.. فطلب منه أن يتصل برئيس الديوان وأن يبلغه عن لسانه خطورة الموقف؛ وأنه إذا استمر على هذا المنوال طويلاً فإنه قد يؤدى إلى نتائج لا تحمد عقباها، وأن الوزارة يجب أن تقال فورًا لتهدئة النفوس، وأنه يقترح تأليف وزارة قومية برئاسة على ماهر باشا فوعده مصطفى أمين بأن يبلغ هذه الرسالة.
www. ragai2009.com