مرتضى المراغى شاهد على حكم فاروق (4)
خرج مرتضى المراغى من اجتماعه يوم الاثنين 28 يناير مع وكلاء الوزارة ومدير الأمن العام ومدير البوليس وحكمدار القاهرة ورئيس القسم السياسى فيها ــ خرج صفر اليدين، فلا أحد منهم لديه إجابة على السؤال الصعب: من الذى أحرق القاهرة، بل وكانت تقديراتهم لمواجهة الحدث غير بصيرة، فلا شىء عن مواجهة الاستعدادات التى شفت عن أن حادثًا جللاً فى الطريق، ويتحدث حكمدار القاهرة عن أنهم فوجئوا باشتراك قوات بلوك النظام فى المظاهرات، وكل من تم القبض عليهم فى هذه الحرائق الشاملة المدمرة لا يتجاوز عشرين شخصًا، أما التقارير التى عرضت عليه فلم تتجاوز دفتر أحوال إدارة المطافئ عن زمن كل حريق وخروج عربة المطافئ إليه، وأن المتظاهرين منعوهم من استخدام خراطيم المياه، ودون إجابات عن كنه المتظاهرين الذين أشير إلى تحطيمهم عربة الإطفاء أمام فندق شبرد.
اتهام أحمد حسين
بعد أسبوع، جاء للمراغى تقرير من محمد إبراهيم إمام ــ رئيس جهاز المباحث آنذاك ــ يتهم الحزب الاشتراكى (مصر الفتاة) ورئيسه المحامى أحمد حسين، بأنه الذى أحرق القاهرة. وأيد تقريره برسمين ذكر أنه تم العثور عليهما بمقر الحزب، أحدهما لصور قنابل حارقة ومعاول معدومة المثيل، والرسم الثانى رسوم هندسية لبعض أحياء القاهرة وبها أسهم تشير إلى بعض الأبنية التى ذكرت تحريات المباحث أنها أحرقت.
بيد أن مرتضى المراغى شعر بالافتعال فى التقريرين، واستعان بخبير أجنبى فى الزنكروغراف أكد أن هذا الرسم لا يمكن أن يكون قد رسمه خبير فى المبانى والمفرقعات، بل وإنه يعرف المطبعة ــ بالفجالة ــ التى تقوم بطبع هذه الرسوم المزيفة، وقد تأكد ذلك بالتحقيق الذى أجراه النائب العام وثبت فيه أن أحد ضباط القسم السياسى بمحافظة القاهرة هو الذى حمل الرسم إلى المطبعة وطبع هذه الوثيقة الزائدة.
ومن ثم برز التساؤل، ما هى دوافع البوليس السياسى لنسبة إتهام الحريق إلى مصر الفتاة وأحمد حسين.
إن سابق خبراته تفيد أن حزب مصر الفتاة لا يستطيع وحده، ولا تسمح إمكانياته، بالقيام بهذا العمل الكبير.
والواقع أن أحمد حسين ـ فيما يرى ـ هو الذى جر على نفسه إلى هذا الاتهام ؛ بما كان ينادى به دائمًا من أنه لا بد من التدمير حتى يتم الإصلاح، وهو تعبير شبيه بالفوضى الخلاقة المتداول هذه الأيام، كما استندت المباحث فى توجيه الاتهام إليه إلى لافتات على بعض المحلات مكتوب عليها (يدير هذا المحل الإنجليز الذين يقتلون إخوانكم بالإسماعلية)، ومنشور آخر بأن سينما مترو يديرها يهودى اسمه جوستان زينك، وإن سينما ريفولى إنجليزية، كما تم العثور على خطاب بالإنجليزية من سكرتير « الترف كلوب » الإنجليزى إلى بكر أحمد عبد الجواد يطلب منه إقامة خيام وفرش سجاجيد بالنادى، ومرفق به عقد اتفاق مكتوب بالإنجليزية والعربية بين المستر توماس سكرتير النادى وبكر عبد الجواد الذى هو عضو فى الحزب الاشتراكى (مصر الفتاة).
وموضوع الغرابة فى هذا الاتفاق ــ فيما يعلق مرتضى المراغى ــ أنه بين سكرتير نادى الترف الإنجليزى، وقد كان له شأن كبير لأنه كان يمثل نادى كبار الإنجليز فى ذلك الوقت، وعضو فى الحزب الإشتراكى، وأن يظل هذا الخطاب والاتفاق مع محفوظات الحزب فى حين أن الحزب يندد بالذين يتعاملون مع الإنجليز !
كما وجد خطاب موجه إلى رئيس الحزب بأن بنك باركليز يعمل كقلم مخابرات للسلطات الإنجليزية.
ومثل هذا القول سبق أن رددته جماعات أخرى كالإخوان المسلمين، ومما يذكر أن الإخوان المسلمين كانوا قد قاموا قبل حريق القاهرة بإشعال بضع حرائق فى ملاهى الهرم. ولم يقبض على أحد منهم على رغم أن الإخوان أعلنوا أنهم هم الذين قاموا بذلك، فهل كانت حرائق ملاهى الهرم بروفة لحريق القاهرة ؟
ومن الذى قام بحريق القاهرة ؟!
www. ragai2009.com