من تراب الطريق (792)

من تراب الطريق (792)
رجائى عطية

رجائى عطية

7:30 ص, الأحد, 9 فبراير 20

مرتضى المراغى شاهد على حكم فاروق (1)

أحسنت دار المعارف صنعًا حين أعادت نشر مذكرات مرتضى المراغى، أشهر وزراء الداخلية فى العهد الملكى، وأخر وزير للداخلية قبل يوليو 1952.

بعد ساعات قليلة من إطفاء حريق القاهرة يوم 28 يناير 1952، تلقى مرتضى المراغى ـ محافظ الإسكندرية آنذاك ـ اتصالاً تليفونيًا من الملك فاروق، يتساءل فيه عما أبقاه بالإسكندرية وقد عين وزيرًا للداخلية فى وزارة على ماهر.

كان عليه أن يعرف من أول يوم له فى الوزارة، من الذى أحرق القاهرة، وهو سؤال صعب لا تزال الإجابة عليه تتعثر إلى اليوم..

ما هى إلاَّ ساعات حتى حملت الأنباء الكوارث التى تداعت فى القاهرة. احتراق فندق شبرد الكبير والنزلاء يلقون بأنفسهم أو يلقى بهم منه، وكان الفندق آنذاك بشارع إبراهيم باشا (الجمهورية حاليًا) حتى تقاطعه مع شارع الألفى.. احتراق المتاجر والمحلات الكبرى أمثال شيكوريل وصيدناوى وشملا وعمر أفندى.. اقتحام البنوك والاستيلاء على ما فى خزائنها ونهبها أو القاؤها من النوافذ.. احتراق نادى «الترف كلوب» وهو نادٍ انجليزى كان مكانه بموضع محطة البنزين الآن فى شارع عدلى بوسط القاهرة. احتراق دور السينما والملاهى والمتاجر، ومهاجمة وضرب الإنجليز.

وحصرت الخسائر احتراق 300 محل، 107 مكاتب أعمال، 13 فندقًا، 40 دارًا للسينما، 16 ناديًا، 33 مطعمًا وصالة رقص وملهى، 8 محلات لبيع السيارات ، بنكًا واحدًا، 92 بارًا.

استقبل مرتضى المراغى ـ وهو لمن لا يعرف ابن شيخ الأزهر مصطفى المراغى ـ استقبل منصبه الجديد بهذه الكوارث، خلفًا لفؤاد باشا سراج الدين، وقد استلم مهام منصبه الجديد يوم الأحد 27 يناير 1952، وأمامه سؤال ضخم، يطرحه الجميع:

من الذى أحرق القاهرة؟!

كان قبل يوم، قد تلقى مساءً من الإذاعة ــ وهو لما يزل محافظًا للإسكندرية، نبأ صدام قوات «بلوك النظام» بالإسماعلية بالقوات الإنجليزية التى حشدت دباباتها ومدفعيتها الثقيلة واشتبكت مع رجال الشرطة الذين لما يتجاوز تسليحهم البندقية «رمنجتون» القديمة. كان موقف رجال الشرطة ملحمة فى الصمود والدفاع حتى الموت، ولكن فى النهاية غلبت الكثرة المسلحة الشجاعة، واستشهد فى هذه الموقعة ستون من الجنود والضباط.

ولكن سرعان ما اتخذ المراغى الإجراءات السريعة لتلافى حصول ذلك فى الإسكندرية، وقبل أن تشرق شمس 26 يناير كان الجيش والشرطة يسيطرون على مواقع الحراسة وجميع مرافق الإسكندرية.

تساؤلات

كان هناك تساؤلات مشهرة، بالغة الأهمية، لمحاولة الإجابة على السؤال الصعب: من الذى أحرق القاهرة.

● لماذا أقام فاروق وليمة مفاجئة لضباط الجيش والبوليس؟

● فؤاد سراج الدين انتظر ثلاث ساعات فى قصر عابدين قبل أن يسمحوا له بإنزال قوات الجيش.

● لماذا أعطى الجيش الأولوية لإنقاذ الأوبرج؟

● الملك يصدر مرسومًا بإقالة وزارة النحاس باشا.

● لغز اتهام البوليس السياسى الحزب الإشتراكى بأنه وراء الحادث.

بدأت الأحداث طبقًا لرواية مرتضى المراغى ـ مساء الجمعة 25 يناير 1952، حين أذاعت وزارة الداخلية المصرية بيانًا أعلنت فيه أن القوات البريطانية قامت بعدوان على رجال البوليس فى منطقة القناة أسفر عن مقتل خمسين من جنود بلوكات النظام وإصابة ثمانين وأسر ما يقرب من ألف جندى وضابط.

أثار البيان ردود فعل عنيفة فى نفوس جميع المواطنين عامة ورجال البوليس وبلوكات النظام خاصة.

وجاء أول رد فعل فى الساعة الثانية من صباح السبت 26 يناير 1952، عندما أعلن العصيان عمال وجنود مطار فاروق حسب مسماه آنذاك.

أحاطوا بأربع طائرات تابعة لشركة الخطوط البريطانية إعلانًا عن احتجاجهم على ما حدث فى الإسماعيلية. ومنعوا نزول الركاب ـ وفاق عددهم المائة ـ ومنعوا تزويد الطائرات بالوقود، وبعد محاولات مستمرة أمكن إنهاء العصيان وأقلعت الطائرات.

ولكن.. قبل أن تشرق الشمس فى صباح هذا اليوم السبت السادس والعشرين من يناير 1952 وفى حوالى السادسة صباحا ـ كان تمرد آخر يحدث فى معسكرات جنود بلوكات النظام بالعباسية.

كانت هذه المعسكرات تضم جنود الأقاليم، وقد خرجوا يحملون أسلحتهم متجهين من العباسية إلى الأزهر، وكان منظر المظاهرة وهى تضم عساكر البوليس منظرًا بالغ الإثارة، خصوصًا لطلبة مدارس العباسية الذين سرعان ما انضموا إليهم.

ومن العباسية إلى الأزهر ثم إلى ميدان محمد على حيث انضم إليهم بعض عساكر الجيش، فإلى ميدان الإسماعيلية ( التحرير حاليًا ) ثم إلى جامعة فؤاد (القاهرة الآن ).

وهناك اختلط البوليس مع الطلبة وأخذوا يطلقون النار فى الهواء.

تناقل الشعب خبر هذه المظاهرة التى طافت معظم شوارع وميادين القاهرة فأحدثت آثارها فى مناطق آخرى.. وسمع بذلك عمال العنابر والسكك الحديدية فنظموا هم الآخرون مظاهرة اندمجت مع الطلبة وعساكر البوليس وقرروا التوجه إلى مجلس الوزراء.

وهناك خرج إليهم عبد الفتاح حسن وزير الشئون الاجتماعية ووقف فى الشرفة وخطب فيهم محاولاً تهدئتهم ؛ إلاَّ أنهم صرخوا فى وجهه وهتفوا بسقوطه.

وكانت المفاجأة ظهور أحد ضباط الجيش واسمه محمد عبد الخالق وقد حمله المتظاهرون على الأعناق.. وبأعلى صوت صاح هذا الضابط فى عبد الفتاح حسن: أيها الوزير.. الجيش للحرب.. لماذا لم ترسلونا إلى القنال دفاعًا عن إخواننا جنود البوليس؟

وبدأ حريق القاهرة !

www. ragai2009.com

[email protected]