الفضاء وأسرار الكون (3)
نحن جميعًا كثيرًا ما نقول ما لا نريده فعلاً وما لا نقصده وما لا نعرفه وما لا ننفذه.. لأننا لا نأبه له أكثر كثيرًا جدًّا مما نقوله قاصدين منفذين.. إلا أن يمنعنا مانع خارجى يحول دون التنفيذ، أو مانع طرأ ولم نكن نعرفه أو لم نكن نلتفت إليه.. غَيّر عندنا ما كنا قد قصدناه حتى إن كنا قد بدأنا فى تنفيذه!
ولسنا نتبع حتمًا ما قلناه أو ما نقوله وننفذه.. شفويًا كان أو مكتوبًا أو مطبوعًا أو مسجلاً.. لأن كل آدمى قُلّب خُلّب.. تتوالى وتتدافع فيه بغير انقطاع، وتتعدل وتتطور ثم تتغير أفكاره وقراراته تبعًا لتغير الأمكنة والأزمنة وانتقال الأعمار وتغير الظروف والأحوال والخبرات.. وهو تغير لا يبعد كثيرًا فى التأمل وإمعان النظر عن تغير الجنين المتوالى بغير انقطاع، من النطفة إلى العلقة إلى المضغة إلى باقى أطواره حتى لحظة مولده، وعندها ينفصل إلى حى آخر له ذاته أو أناه، وبعد قليل تسير معه « أناه » فى طريقه هو، وليس فى ذات طريق الأب أو الأم أو الأخ أو الأخت.. وقد يتشابه وقد لا يتشابه بالنسبة لهذا أو ذاك من هؤلاء برغم القرابة فى الحالين ودرجتها وشدتها. ولذا يجوز أن يشتد الالتصاق فى أفراد أسرة وأن ينعدم فى أخرى إلى حد القطيعة!!
● ● ●
البشر مثلهم مثل كل الأحياء الأخرى، يتوالدون أو يفرخون أو يفرزون أو ينبتون، لكن لا يصنعون هم ما ينتجون من الأحياء.. ولذلك كان كل ما يتوالده البشر.. القديم والجديد.. مفروضًا ليس منه مناص.. حتى فى الأحوال القليلة جدًّا التى يتدخل فيها الطب والعلم لتوجيه نواح فى الجنين قبل مولده!
فالبشر ضمن جميع الأحياء فى أرضنا، يعيشون دائمًا على السطوح وليس على الأعماق من عملية الخلق.. ولن يتجرد الآدميون قط من هذه السطحية.. عالمهم وجاهلهم، كبيرهم وصغيرهم، غنيهم وفقيرهم، متحضرهم ومتخلفهم.. وبدون سطحية الآدمى الملازمة له بالطبيعة ما أمكنه أن يتحضر بل ما أمكنه أن يعيش.. لا هو ولا أى حى آخر على الأرض.. فلولا سطحية الآدمى وانطلاقه فيها وتطوره معها وإصراره على الاندفاع فيها ما وجد أحد منا الآن على الأرض!
لأن « أنا » كل آدمى هى التى تشعر أولاً بوجودها هى بداية ونهاية، وتشعر فى كل حين ما بقيت بذاتها وغرائزها وعواطفها وشهواتها ومخاوفها ومطامعها وأملها ويأسها.. وبهذا فقط يمكن أن تشعر بأصداء شعور الآخرين.. آدميين وغير آدميين أقرباء أو غير أقرباء من الأحياء الموجودين أو كانوا موجودين ثم رحلوا!
فلا ينبغى أن نرفض السطحية التى هى فى أساس الآدمى، ولكن المتاح والواجب أيضًا أن نرفض الوقوف عندها والمغالاة فيها، لأنها عندئذ تحول بين الآدمى وبين الترقى الدائم فى الفهم والنضج والمعرفة والتمسك بدوام الترقى من جيل إلى جيل والإصرار على استمرار الزيادة فى ذلك الترقى، ولأن هذا الحافز هو الذى يحول بيننا وبين التراخى والتوقف والقعود وما يصحبه حتمًا من شدة الأنانية لدى الكبار والصغار والأغنياء والفقراء.. هذه الأنانية التى تؤدى إلى التسلط والحقد والطمع والحسد والغرور واليأس العميق الملازم.. وهذه الأدوار المتعاقبة فى تاريخ البشر أكثر كثيرًا من تعاقب أدوار الانتعاش والنهوض والرغبة العامة فى الارتقاء!
ونحن نسمى بالطبيعة كل ما فينا مما نحس به وما لا نحس مما وجدنا عليه ونوجد وسنوجد إلى أن يفنى الآدمى، ونسمى به كل ما هو موجود ومحيط وقريب وبعيد وكان ويكون وسيكون.. ما دمنا ودام وسيدوم فى تصورنا بتواليه المطرد فى هذا العالم الذى مازال يزداد فى أنظار الأحياء اتساعًا وعمقًا لدى كل حىَ إلى أن يختفى!
وقد عرفنا وسنعرف تتزايد قدراتنا أو تتناقص المزيد من ظواهر الكون أو العالم الذى ندعوه عالمنا.. لأنه ليس لدينا تحت حواسنا وأفكارنا بل لوجودنا وزوالنا سواه فى هذه الحياة.. والظواهر الطبيعية أحكام وضوابط وقوانين وحركات وأبعاد عرفنا بعضها بعض المعرفة فيما يبدو، واستسلمنا لها عصورًا ماضية بحسب قدراتنا، ثم غيرنا عمليات الاستسلام باستمرار يتفق مع تطورنا.. هذا التطور الذى اعتقدنا صوابه إذ ذاك، والذى نعتقد صوابه الآن، والذى سنعتقده إن شاء الله تعالى فى المستقبل برغم ما يعرجه من تعريجات أغراضنا ومطامعنا وشهواتنا!!
www. ragai2009.com