من تراب الطريق (785)

رجائى عطية

10:07 ص, الأربعاء, 29 يناير 20

رجائى عطية

رجائى عطية

10:07 ص, الأربعاء, 29 يناير 20

الفضاء وأسرار الكون

(1)

الإنسان كما الحياة، أحواله فى صيرورة دائمة لا تتوقف.. يتغير كل منا فى حياته.. مع جيله وسنه مرات ومرات.. خاصة إن طال عمره.. وهذا مطرد دائم فى أجيال آبائنا القريبين، وفى أجيال آبائنا البعيدين.. وأجيال البعيدين البعيدين جدًّا.. الذين لا نعرف حتى أسماءهم، وقلما نهتم بمحاولة معرفتها!

وهذا التغير المتوالى المستمر.. لا يشعر به كل منا ـ على هذا النحو ـ إلاّ متأخرًا بعد حصوله.. ريثما ينسى واقع ما كان، ويبقى فى ذاكرته ما يبقى منه مع حاضره.. وكل منا كلما تقدم فى السن يظن أنه عرف من قبل ـ ما لا يعرفه المراهق والشاب والرجل !.. هذا لأن كلا من هؤلاء يعيش جيله ولا يعيش جيل غيره.. ولكن عملية التثبيت والحفظ والارتقاء والتحضر أو التخلف والركود والتأخر ـ لازمة هى الأخرى لبقاء البشرية بحسب ظروفها، ولازمة لربط ما عرف فى الماضى بما عرف فى الحاضر بكل صور الروابط المؤكدة أو الموضحة أو المكملة أو المعدلة أو المتغيرة أو المتجمدة !

فالتغير الدائم فى كل فرد، إنما يصاحبه دائمًا ضرب من التثبيت مطرد فى الجماعة التى يعيش فيها.. يشعر به الفرد ويستجيب له فى الغالب. وهذا الضرب من التثبيت، هو الذى يعطى أفراد كل جماعة خصالهم ـ على اختلاف طبقاتهم وصلاتهم المتشابهة.. كبارًا أو صغارًا.

ويحسب كل منا أنه هو أهم من فى الوجود من البشر، فإن تواضع وتطامن اكتفى بأنه كذلك على الأقل فى نظـر نفسه.. لكنه برغم ذلك يحاول ما استطاع أن يقنع غيره بأهميته.. وقد ينجـح فى تحقيق مراده لسبب أو لآخر، وغالبـًا ما لا ينجح !.. وهذا من أسس الجماعات البشرية التى لم تنجح فعلاً وحقًا فى الشعور بالمساواة الصادقة بين جميع أفرادها كبارًا وصغارًا.. ولم تنجح أى جماعة حتى الآن فى إزالة الطبقات فيها إزالة حقيقية.. وإدراك هذا النجاح لا يدين فى أى زمن إلاّ إذا استطاعت الجماعة، باتساع المتاح سعة هائلة، ربما بارتياد الفضاء الواسع، أن تحقق بحبوحة فى كل مجال تغطى حاجات الناس وزيادة، وتيسر بسهولة ويسر لكل آدمى عادى الانتفاع بما يريده، والاستفادة الكاملة ـ مما يوجد فى الفضاء الواسع من قدرات وقوى ومواد باتت الآن أقرب إلى أيدينا مما كنا نتصور إلى عهد قريب !

فقد أمكن لسفن الفضاء البشرية الصنع، أن تجوب الفضاء لأبعد كواكب المجموعة الشمسية، وترتاد المشترى وزحل وأورانوس وأخيرًا نبتون.. بأسماء بشرية اصطلح عليها علم الفلك عندنا.. وهو ما لم يحدث من قبل خلال الثلاثة آلاف سنة الماضية.. قد عرفنا من عشرات السنين ما سميناه بالسنة الضوئية التى تبلغ سرعة الضوء فيها 300 ألف كيلومتر فى الثانية الواحدة.. يقطع ضوء الشمس المسافة منها إلينا خلال ثمانى دقائق يقطع فيها خمسة عشر مليون كيلومتر !.. ويصل ضوء الشمس إلى أبعد كواكبها خلال خمس ساعات فى مساحة جاوزت خمسة آلاف مليون كيلومتر.. وبتنا نعلم يقينا اليوم أن أرضنا تدور حول محورها بسرعة ألف كيلومتر فى الساعة، وتدور حول الشمس مع الشمس فى دورانها حول المجرة بسرعة ثمانية ملايين كيلومتر فى الساعة بحسابنا نحن. ودورانها الكامل حول المجرة مرة واحدة خلال ثلاثين مليون عام من أعوامنا بسرعة 220 كيلومترا فى الثانية الواحدة.. لأن أقرب مجرة إلينا نحن أهل الأرض تقع على بعد مسافة مليون سنة ضوئية..

فضوء المجرة الذى يصلنا الآن قد انطلق من مليون سنة ضوئية، يعلم الله وحده هل هى باقية الآن أم أنها قد اختفت.. والعجيب المعجب فى ذلك هو قدرة الآدمى على الاهتداء وهو على أرضه ـ إلى هذه الأكوان الهائلة فى الأبعاد النائية على الأزمان الغابرة التى تصل إلينا الآن فقط !!

www. ragai2009.com

[email protected]