مراحل حياة أى آدمى لا أول ولا آخر لها فى إراداته التى يتوالى تتابعها وتغايرها ـ منه وبه وعنه وإليه وإلى سواه.. ذاتًا أو شيئًا هبط أو علا.. وذلك بغير نظر إلى مصدرها الذى ابتدعه أو استقاه قصدًا أو عفواً أو اتباعًا وتقليدًا مما أو ممن أو من أى مصدر فى دنيانا مدة وجودنا بها.. طالت أو قصرت.
وإرادات الآدمى كائنًا من كان.. دائمًا أبعد أو أقرب من قدراته التنفيذية.. لأنها دائمًا غير تامة الوضوح لمراده.. إذ هى اندفاعات مصوغة مصوبة دائمًا إلى قصد لم يوجد بعد.. يحتاج إيجادها الفعلى إلى تنفيذ محدد يزيد أو ينقص عن صورة الإرادة الأولى.. والغالب الأغلب من الإرادات المعتادة لدى البشر ـــ لا يحفل بالفارق الموجود بين المراد والتنفيذ لضآلته فى نظر المريد الذى تحقق له فى عمومه ما أراد، أو رضا بالذى تم تنفيذه فعلا من مشروعه.. إذ عادة البشر ـــ فيما عدا من ندر ـــ تقبل ما تم نفاذه بديلاً لما كان قد تمناه قبل التنفيذ.. لأن التمسك بالدقة والتدقيق دائمًا أو غالبًا.. لم يسد قط لدى الآدميين حتى يومنا هذا.. هم مازالوا سطحيين برغم نمو عقولهم فى أكثر من جهة!
وسطحية البشر أبعد وأعمق ما فى ماضيهم الذى يرجع إلى آلاف عديدة من السنين طبقًا لتصورنا الآن بعد أن كان تصورنا له محدودًا جدًّا حتى القرن السابع عشر الميلادى.. فسطحيتنا الآن قد تطورت تطورًا شديدًا عما كانت فى ماضيها الذى يبدو الآن غير قصير دون أن تتطور تطورًا هامًا فى الأعماق.. أعنى أعماق الآدميين عامتهم وخاصتهم.. متحضرهم وغير المتحضر.. كبيرًا كان أو صغيرًا ذكرًا أو أنثى.. فقد تجمدت أعماق الآدميين أو تكاد ــ خلال القرون الثلاثة الميلادية الأخيرة.. وانصرفت الناس بقضها وقضيضها ـــ إلى العالم الموجودين فيه من الميلاد إلى النهاية، وتحولت أعماق الآدمى ـــ إلى مجرد مظاهر متعددة أو ساذجة منصرفة غالبًا إلى آليات واصطلاحات وتلاوات وطقوس وشبه عبادات ومواسم وأعياد وأحيانًا زيجات وتعميدات أغلبها الغالب تعصب عنصرى أو قومى أو فرقى أو طائفى انتهت حماسته وقناعته من قرون طويلة.. يجتهد المتيّمون بهذه المسمّيات للآن والغد ـــ للإبقاء على مظاهر وجودها ـــ لضمان قدر من المقام أو القدرة الشخصية أو ضمان العيش ما أمكن ذلك!
وانطلاقات الحضارة الحديثة فى القرون الثلاثة الأخيرة، كانت جميعها تقريبًا دنيوية صرفًا.. لا دخل لها جديًّا فى هذا الدين أو ذاك، ولا صلة لها بالملل والنحل من قريب أو بعيد.. ولم يسع قط رجال الأديان ــ إلاَّ فى نادر النادر ــ إلى الاندماج الجدى فى النشاط الدنيوى الذى اتسع وامتد وساد فى العالم كله وبات وحده اليوم الأساس الفعلى الذى لا ينازعه منازع جدى غيره.. دينى أو دنيوى آخر.. وباتت الديانات الكبرى وغير الكبرى المعروفة مع كثرة أتباعها شكلاً وصورة ــ باتت هامشية سطحية المقام والنفوذ.. قلمَّا يذكرها أتباعها فى غير عزاء أو عرس.. إذ أدى الجمود على القديم إلى بقائه وثباته فى قدمه كما أثبته السابقون وأرسوه من مئات السنين، بينما البشرية فى تحرك دائم وانتقال وتعديل وتغير فى الطباع والعواطف والعقول خلال انتقال وتعديل وتغير الأزمنة والأمكنة.. ومن العجيب أن المتجمدين على القديم سواء فى عصرنا أو فيما سبق من العصور ــ عاشوا ويعيشون جميعًا حياة عصر كل منهم ثم فى عصر من بعدهم، لكنهم إن ارتطموا بقواعد ومبادئ الملة يسرعون فى التراجع إلى القديم المتبع المعول عليه فى نظر الملة لا فى نظر العصر الذى يعيشون فيه!!. فهم فى واقعهم المفتعل هذا خادعون مخدوعون.. لأنفسهم ولأتباعهم..
ولا يتحركون حقيقة قط بل يحاولون عبثًا التمسك بالماضى الذى كان وانقضى من عشرات مئات السنين!
www. ragai2009.com
[email protected]