لا تنحصر الفروق بين المتعلم والجاهل فقط فى حاصل أو لا حاصل العلم والمعرفة، وإنما يختلفان اختلافًا شاسعًا، معظمه فى الأنانية.
فالأنانية تسود المتعلم ربما أكثر مما تسود الجاهل، ذلك أن كرامة المتعلم اليوم تملأ أنانيته لأنها فى نظره مليئة بإحساسه بعلمه وتصوره لقيمته، وذلك الاعتداد ليس لدى الجاهل.. فهذا قد استخدم فيها إما ثروته المادية وإما شخصيته بسبب جرأته أو قوته، أو بهما معًا..
لا يوجد اليوم فى أى مكان، من يخشى الله حقيقة ويتواضع لخدمة الخلق معنى ومبنى داخله وخارجه صغيرًا أو كبيرًا امتثالاً لله.. ولم يبق هنا وهناك الآن إلاَّ ظاهرة الذين تأثروا بتعاليم الدين تأثرًا قشريًّا ؛ أو الذين انجذبوا إلى ذلك بقدر ما بقى عندهم من تصور الدين على هامش الدنيا للانتفاع به وبها معًا ببساطة لا تجاوز السطح !!
نعم نحن جميعا بغير استثناء.. الآن وما قبل الآن.. ـــ إلاَّ نادر النادر ــ لم ولا نعرف صدقًا معنى الدين، برغم مراعاة الصلاة فى المساجد والدور وصوم النهار أيامًا وحج البيت قربى واجتهادا فى الجمع وتزكية الأعياد والمواسم والاحتفاء بالأعراس والأفراح والمواساة فى الوفيات فى البيوت أو السرادقات أو بالمراسلات البرقية والبريدية.. فالدين الآن أقصد الدين بعامة، قد صار هامشيًّا أيًّا ما تكون الملة أو المذهب أو الطائفة.. وهى أديان قد سبق سابقها تاليها وأضاف ما قد أضاف التالى إلى السابق، وآخرها وهو الإسلام كان نزوله من أكثر من ألف وأربعمائة سنة، وأهل هذه الأديان اليوم لا يلتفتون كثيرًا أو قليلاً إلاَّ للتعديلات والزيادات والطقوس.. وهذه مع امتداد الزمن وتقلب الأجيال انتهت إلى ما هى عليه اليوم لدى كل ملة أو مذهب أو طائفة من هامشيتها التى لا يحفل بها كثيرًا عصرنا الآن.. هذا العصر الغارق فى تخبطه وتشتته وأنانيته ثم يأسه مع البشرية الهائلة جدا التى لم يسبق لها تغير على الأرض واحتدام الخصومات والعداوات وانقطاع الأرزاق فى الشعوب وكثرة انتشار الأمراض والأوبئة وشيوع المخدرات والإرهاب..
وقد بات الآن حاضرنا الغاضب التعس، يلعن ماضينا الذى ورثنا منه الجرأة والاندفاع والثقة المليئة بالغرور الوقتى.. هذا الغرور الذى انهار اليوم فى كل عين يأسًا وشؤمًا..
ونحن الآن فى أعماقنا دون تمييز بين حاكم ومحكوم وغنى وفقير، نشعر بقلق عميق طال أمده.. نحاول إما إنكاره أو كتمانه أو تهوينه بقصد الإقناع أو الاقتناع، وإما التسليم به سرًا وعلنًا بلا تفرقة ليأس كل منا الغائر المتمكن، من نجاة خاصة أو عامة. وهذا الآن أو الغد، واضح جدَا لدى الكل من السيد والمسود والموسر جدًا والمعسر الثائر حسبما يخفى ما عنده وما يعلنه لدواعيه التى لا يقف عند شرحها منفردًا أو مجتمعًا !
ولم يكسب عالمنا الحالى برغم متاعبه المتزايدة ــ لم يكسب فى السنوات التالية للحرب العالمية الأولى ثم الثانية، من زوال النازى والاتحاد السوفيتى.. فلم تقل مشاكل عالمنا الحالى عن ماضيه وحاضره، ولم يهدأ ولم يجد لدينا اليوم والغد ما كان العقلاء الجادون يرجونه من نهاية 1918 ونهاية 1945 ونهاية 1990 ونهاية 1996 !!! إذ لم يتخلص البشر بعامة من طول تهاونهم المتزايد، بالالتفات إلى داخل كل آدمى وإلى حرصهم المتزايد على الالتفات إلى ما يرضى وينمى ما يتصوره من خارجه فى أمد حياته التـى لابد أن تنتهى لا محالة !
فآلاف الملايين الأحياء من البشر اليوم متناثرون على أرجاء المعمورة.. كل فرد واعٍ أولاً إلى أناه هو من لحظة مولده إلى آخر نفسه قبل غيره.. قريبه وبعيده.. لذاته هو صدارة خاصة لا يشاركه فيها أحد ما عاش صغيرًا أو كبيرًا صحيحًا أو عليلاً.. وإلى يومنا هذا لم تختل أنانية كل آدمى ولم تنحسر قط إلاَّ فى أطوار الأنبياء تلطيفا لتكدسها كلما تصلبت واشتدت.. إلى أن حل محل كبارهم ـــ الخلفاء والأولياء والقديسون والأكابر الدنيويون كل فى زمانه ومكانه ـــ حتى يومنا هذا الذى تقلص فيه بعامة أدنى الحدود الهامشية التى لا يكاد يحسب لها حساب جاد هام يذكر !
www. ragai2009.com