من تراب الطريق (741)

من تراب الطريق (741)
رجائى عطية

رجائى عطية

6:36 ص, الثلاثاء, 26 نوفمبر 19

احتوى الاتحاد السوفيتى ، بعد هزيمة وتمزق النازية، إحتوى بلدان وشعوب غير قليلة.. ضمها إلى دكتاتوريته التى امتدت أكثر من ثمانين عامًا، تداول عليها حكام غلاظ فى الأعم الأغلب.. كانوا يتصارعون على الاستبداد والتسلط والتضليل والاحتكار والإصرار والخداع والمكر، مستعينين بالقضاء الذى لم يكن يتردد قط فى إزالة كل محاولة جادة للتصحيح والأمانة والاستقامة من إنسان عاقل فاهم جرىء!

وأدى اختناق وغيظ وقنوط تلك الشعوب إلى طول أزمتهم واستدامة مشاكلهم ومتاعبهم التى لا أول لها ولا آخر.. زادت ولم تنقص بانعدام الصبر تقريبا وغياب المعونة وعدم وجود القيادات المتمكنة المستعدة للتوجيه والخدمة والدأب والجد صباح مساء!

وتلك الشعوب تجتهد اليوم والغد ـــ بقدر ما فى إمكانها بعد تخلصها من الاتحاد السوفيتى.. تجتهد أن تنجح فى تحرير ذاتها من آثار ماضيها غير القليل من عاداته ومتاعبه.. تتوسل لذلك بالاتصال بجيرانها اتصالا متبادلا دائمًا أو شبه دائم، وإقامة ما يمكنها إقامته من العلاقات الممكنة بالعالم القريب والبعيد.

وقد طال ضم ألمانيا الشرقية من عام 1945 إلى الرياسة العليا للاتحاد السوفيتى حتى أوشكت أن تسقط نهائيا فى جعبته، لكنها تمكنت بعد ما رُدّ وأرجع، من الانضمام لألمانيا الغربية لتعملا معًا بنشاط وكفاية ألمانيا كلها شرقية وغربية.. وهو ما لا نظير له إلى الآن فى باقى الشعوب التى استقلت الآن تماما عن روسيا الحالية.. وإن ظلت هذه وتلك بعيدة عن السداد العاقل.. فكل منهما التفت فقط إلى الناحية التى انفرد بها.. معتقدًا أنه بها قد تخلص من جهة القدرة إلى الأبد.. وهو خيال محض زائل قصر أو لم يقصر.. على حين أن الكل لم يفارق فى الواقع متاعبه التى تتزايد حتما بقصر الرواج وقلة الكفايات وزيادة استخفاف الناس بعقولها واكتفائها فى جميع الطبقات بالسطحية سادة وعامة !.. وهذه لا تسمن من جوع.. خاصة فى الملايين المقيمين فى ألمانيا الغربية من سنين قبل الاندماج الألمانى الحالى بين شرقيها وغربيها، وهو طور من أطوار حياة الأحياء آدميين وغير آدميين.. بعيدا عن العقل الواعى الرشيد الذى لا ينساق لاقتناء ما يتقلب عليها باستمرار من مختلف العواطف والخواطر والتخيلات.. هذا الخليط الذى يتبادل فيه بغير انقطاع الأمل أو اليأس والرغبة أو الرفض والعزم أو الهرب والإقدام أو الإحجام تكرارا وانتظارا دون توقف حيوى لتوالى الأحياء والأجيال وجودًا ثم وجودًا وعدما باطراد فى مدارج الأحياء ما وجدوا!

وهذه الحياة ماضية ما طالت وقادمة ما تجىء، دائمة التحرك فى مستقبل لها حتى تنتهى هى وأفرادها لا محالة فى نهاية ليس منها مفر!.. وإلى اليوم والغد حركتها كما نعرفها.. دائمة الرجة والقلقلة والتعرض للمد والجزر والبسط والقبض والأمن والقلق والخوف والرجاء والإقبال والدمار والخراب.. وأغلب ذلك للمتأمل، يرجع لعدم الاتزان وخفة الرأى والاعتياد على استخدام العقل فى الآمال والمآرب والشهوات، وفى الأحقاد والعداوات والنهب والسلب والقتل والتدمير والتخريب!

وحتى اليوم وربما للغد ــ لم يتخل عموم البشر أو أغلبهم عن معظم ذلك الوجود الحائر الأنانى المتذبذب السطحى، الذى تضاعف مرات عن ماضيه، وبات جميع الآدميين لا يبالى أى منهم بآخرته، وكل منهم مشغول بحياته ها هنا فى دنياه، ولا ينظر إلى الآخرة إلاَّ على أنها مجرد خيال، ومن ثم لا يفتر تمسكه الشديد وعضه بنواجذه على دنياه وحدها ! دون أن يشعر بما فى هذا الكون الهائل من خيرات تتسع للجميع!

[email protected]

www. ragai2009.com