ما حدث وما جرى لمحمد فريد، ليس غريبًا فى عالم الثورات والتكتلات أيًّا كانت، ولم يكن قاصرًا من ثورة 1919 على الزعيم الوطنى الكبير، بل امتد داخل كيان الثورة نفسها، وفيما بين قادتها، بل ولم ينج محمد فريد من هذا العقوق داخل حزبه: الحزب الوطنى القديم.
قرأت تحقيقًا صحفيًّا فى الأهرام للصحفية الهمامة الأستـاذة دعـاء جـلال، تحت عنوان لافت: «زعامة قصيرة للحزب الوطنـى (القديم).. ونهاية مؤلمة» «عوائق ومكائد ظلت تعرقل مسيرة محمد فريد حتى اضطر لتقديم استقالته عام1912».. وعام 1912 هو العام الذى غادر بلده فى مارس منه إلى منفاه الاضطرارى، فبدا لى غريبًا أن تلاحقه المكائد من حزبه الذى انتخبه رئيسًا مدى الحياة، فأبى هذه الرئاسة الدائمة، وأصر على وجوب تجدد الانتخابات، فكيف بحزبه يلاحقه بالعوائق والمكائد بمجرد مغادرته الديـار مضطرًّا ونزولاً علـى مشورة أقطاب الحزب أن ذلك أجدى لاستمراره فى أداء دوره الوطنى الذى تريد سلطات الاحتلال والمتعانقين معها إجهاضه بتكرار افتعال الاتهامات ضده، ومحاكمته وحبسه.
عدت إلى عبد الرحمن الرافعى، وإلى كتابه الشامل عن محمد فريد، فلم أجد أثرًا لاضطراره إلى الاستقالة من الحزب، ولا وجدت أثرًا فى الرافعى ولا فى غيره، لرئيس آخر للحزب الوطنى (القديم) من عام 1912 إلى وفاة محمد فريد فى نوفمبر 1919، ولا وجدت فى سيرة حافظ رمضان الذى تلاه فى رئاسة الحزب ما يثبت أنه تولى هذه الرئاسة قبل وفاة محمد فريد.
بيد أن التحقيق الصحفى تضمن أن بيان الحزب نُشر فى الأهرام فى عدده الصادر 30 أغسطس 1912، ثم ما نشره الأهرام فى 10 سبتمبر 1912، ورد محمد فريد فى رسالة بعثها من فرنسا ونشرتها الأهرام فى 26 سبتمبر 1912.
قمت بالاتصال بالأستاذة دعاء كامل لسؤالها عن مصادرها فى هذه المعلومات التى لم أجد لها أثرًا، فتفضلت مشكورة بموافاتى على الواتس آب بما نُشر فى الأهرام فى القرن الماضى.
إذن لماذا خلا الرافعى على دقته وكونه من أقطاب الحزب الوطنى من الإشارة إلى ذلك ؟ لا تفسير إلاَّ الخجل من أن ينشر هذا العقوق الذى وقع فيه بعض أقطاب الحزب تجاه زعيمه محمد بك فريد.
لا يمكن تجاهل ما نُشر فى الأهرام عام 1912.
وأول القصيدة ما جاءه من اللجنة الإدارية للحزب الوطنى ونصه:
«أصبح عزل فريد بك من إدارة الحزب الوطنى أمرًا واجبًا»
«لخروجه عن مبادئ الحزب خروجًا يحرج مركز الحزب ويبعد عنه القلوب ويُظن به السوء» وطالبت اللجنة الإدارية للحزب بما يلى: «أولاً» دعوة الجمعية العمومية لانتخاب رئيس، «ثانيا» رفع تلغراف إلى سمو الخديو باسم الحزب نثبت فيه إخلاصنا وولاءنا، «ثالثا» نشر جميع جرائد الحزب عدم رضاها عن كل ما كتبه ويكتبه فريد بك، «رابعا» تكليف ذلك الموظف بتقديم كل ما عنده من مال الحزب وتحت واردات مدارس الشعب الليلية لأن يد التبديد لعبت فيها، فإن لم تفعل اللجنة الإدارية ما تقدم، قمنا به خير مقام.. لفيف من الأعضاء».
وأغلب الظن أن رد محمد فريد الذى نشره الأهرام فى 26 سبتمبر، قد جاءه من الحزب الوطنى الذى أرسل تقريرًا ثانيا، نشره الأهرام متبوعًا برد محمد فريد، فتضمن الأهرام:
«واستكمالاً لخطة عزل محمد فريد، نشرت الأهرام فى يوم 10 سبتمبر 1912 تقريرًا آخر يشير إلى مطالبة الحزب الوطنى مرة أخرى بالتحقيق فيما كتبه فريد فى جريدة فرنسية تسمى «السيكل» وجاء فى هذا التقرير ما يلى «اجتمعت اللجنة الإدارية للحزب الوطنى، واستأنفت المناقشة والبحث فى محاسبة محمد فريد بك رئيس الحزب على ما كتبه بقلمه فى جريدة السيكل الفرنسوية، واستنكار الحزب أعمال الحمقى المنافية للمبادئ الأساسية للحزب والضارة بسمعة القطر، وستراجع اللجنة غدًا محمد فريد بك فيما نشرته له الجريدة، وتنتظر جوابًا، فإما أن يعترف بصحة نسبته إليه، فيكون قد خالف مبادئ الحزب، أو يعتذر بأنه نشر ما نشره معبرًا فيه عن رأيه الشخصى، فيفقده هذا الاعتذار الثقة التى وضعها فيه منتخبوه»
وجاء رد محمد فريد فى رسالة بعثها من فرنسا، ونشرتها الأهـرام فـى 26 سبتمبر 1912 وهذا بعض مما جاء فيها: «سلامًا وتحية» وبعد فبما إنه من الضرورى لسير أعمال الحزب أن يكون الرئيس مقيمًا بالقاهرة لمباشرة الأعمال بنفسه، وحيث إنى سأقيم خارج القطر إلى أجل غير محدود، فمراعاةً لصالح الحركة الوطنية أقدم لكم هذه الاستقالة من رئاسة الحزب وعضوية لجنته الإدارية».
فكان لابد والأمر كذلك أن أرجع إلى مذكرات محمد فريد نفسه، ووثائقه ومراسلاته، فماذا وجدت؟!
www. ragai2009.com