محمد فريد الزعيم النبيل الشهيد (5)
لم يكن سفر محمد بك فريد إلى منفاه الاضطرارى لم يكن نهاية لكفاحه الوطنى، بل استأنفه بقوة من خارج البلاد، وكان لذلك أثر محمود منذ تعطل وصول الجهاد الوطنى إلى أوروبا لدى اشتعال الحرب العظمى الحرب العالمية الأولى سنة 1914، ذلك أن وجود محمد بك فريد فى الخارج، قد أتاح له مواصلة كفاحه الوطنى وإسماع العالم من قلب أوروبا صوت مصر وقضاياها.
استأنف شهيد الوطنية جهاده فى أوروبا، فحضر مؤتمر السلام الذى عقد بجنيف اعتبارًا من 22 سبتمبر 1912، وبسط فى خطبته أحوال ومطالب مصر، وتأسيسه فيها جمعية السلام العام بوادى النيل، والتى اعتمدتها اللجنة الدائمة بمدينة «برن» ضمن جمعيات السلام المرتبطة بالمؤتمر، ووزع على أعضاء اللجنة مجموعة أعمال المؤتمر الوطنى المصرى الذى انعقد فى بروكسل فى سبتمبر 1910، وكان لمحمد فريد الفضل فى اعتناق «جنيف» للمسألة المصرى، وأعرب للمؤتمر عن أمله وحق مصر فى أن يجلو الاحتلال البريطانى عنها فى أقرب وقت، وأن يعاد تأسيس حكومة ذاتية فى مصر تتحقق فيها الضمانات الكفيلة بحفظ المصالح الدولية والأهلية.
ومن مصر التى تابعت هذا المؤتمر، طارت البرقيات إلى محمد فريد مهنئة مباركة معبّرة عن الإعجاب بما نهض به فى المؤتمر وأدّاه، ومن أقطاب الحزب الوطنى (القديم) الذين أرسلوا التأييد والتهانى، النقيب المؤرخ عبد الرحمن الرافعى، ومحمد عبد الملك حمزة المحامى، وإسماعيل حافظ مدير جريدة «العَلَم» التى صارت لسان الحزب الوطنى إزاء ملاحقات جريدة «اللواء»، ومحمد زكى على المحامى، ومصطفى الشوربجى المحامى بطنطا، وإسماعيل كامل المحامى وغيرهم.
ومن جنيف إلى المؤتمر الذى عقد فى السويد، ونشرت عنه جريدة «العَلَم» يوم 3 نوفمبر 1912، وتواصل محمد فريد فى ستوكهلم مع معالم الحضارة ومنشآت البر، وأرسل من هناك مقالاته إلى مصر، تنقل إلى المصريين كل ما يلقاه ويشاهده، ومن السويد طار إلى بلجيكا فى 7 نوفمبر 1912.
وكان من أسفٍ، أن السلطات عطلت «اللواء» نهائيًّا فى 31 أغسطس 1912، وعطلت نهائيًّا جريدة «العَلَم» التى حلّت محلها اللواء فى 7 نوفمبر 1912، وتابع محمد فريد كفاحه من الخارج وأفشل محاولات الخديو ضرب المدارس التى أنشأها الحزب ورعاها، وأفشل محاولة الخديو فصله من عضوية نادى المدارس وأهدى إلى النادى مكتبته القيمة، وواجه الانقسامات التى بدأت تحدث بالحزب وحول جريدة «اللواء»، التى شبَّ نزاع بين الورثة على وراثتها.
فلم تخلُ نهاية عام 1912 من محاولات ضرب محمد فريد، فانتهزت الحكومة فرصة رحيله، لتقطع صلته بنادى المدارس العليا والحركة التعاونية، فطلبت من عزت بك شكرى رئيس النادى محو اسم «محمد فريد» من عداد أعضائه، بقالة إنه بعد الحكم عليه صار (مجرمًا)، ولكن الرجل أبَى، فهددوه بإغلاق النادى إذا لم ينفذ المطلوب فى أسبوع، فاضطر الرجل إلى عرض الأمر على مجلس إدارة النادى الذى رفض بالإجماع هذا الطلب، فاضطرت الحكومة للسكوت إزاء هذا الإصرار.
وامتدت هذه المشاكسات السلطوية إلى مطالع سنة 1913، وإنعكس ذلك على الحزب، فلأول مرة لم تنعقد جمعيته العمومية، ولم ينظم كالمعتاد الاحتفال بذكرى مصطفى كامل، ومنعت الحكومة إقامة سرادق الاحتفال بالمولد النبوى.
إلاَّ أن محمد فريد لم يفقد عزيمته رغم كـل ما يواجهـه، ونجـح بتحركاته واتصالاته مع الشرقيين، فى تأسيس «جمعية الترقى الإسلامية» وتعاون معه «ميرزا سعيد بيك»، وتتلخص غاية الجمعية فى تقوية رابطة التضامن بين الأمم الإسلامية، وبعث روح النهضة الفكرية والاقتصادية فيها، وقد كان، ونجحت الجمعية، وأصدرت مجلة من جنيف باللغة الفرنسية، وقد نشر الرافعى نموذجًا من أعدادها فى كتابه عن محمد فريد.
وسافر فى أواخر فبراير 1913 إلى الآستانة، بعد سقوط وزارة كامل باشا، وتأليف وزارة محمود شوكت باشا، واطمئنانه إلى أن الحكومة التركية لن تسلمه إلى سلطات الاحتلال كما فعلت من قبل مع الشيخ عبد العزيز جاويش، إلاَّ أن الرحلة لم تخلُ من مصاعب واجهته فصمد لها رغم حرج موقفه.
www. ragai2009.com