حول التطرف والإرهاب للإمام الطيب (2)
يصارحنا الإمام الطيب بأن نظرية المؤامرة، ليست كل ما هنالك، فهناك جذور بعيدة فى تاريخنا العربى الإسلامى، وهو فيما يقول منهج الفرقة والتنازع والاختلاف، وهذه مواجهة لأنفسنا واجبة، قمت من جانبى بكتابة مؤلف كبير حولها بعنوان «دماء على جدار السلطة» (دار الشروق 2017)، وأعنى أن مَرَدَّ كل هذه الدماء حسبما رأيت من دراستى للتاريخ، هو عشق السلطة والاستماتة فى الوصول إليها، أو الدفاع عنها، والقتال وسفك الدماء من أجلها، فمنذ الفتنة الكبرى التى بدأت بمقتل عثمان بن عفان رضى الله عنه، تفجرت وقائع حقيقية مؤسفة، مُرَّة ومتكررة، جرت مشاهدها على مدار نيف وأربعة عشر قرنًا، أريقت فيها دماء غزيرة فى طلب السلطة والوثوب إليها، قتل الابن أباه، والأب ابنه، والأخ أخاه، واتسعت دوائرها إلى غير الأقارب، عشقًا للسلطة وجريًا وراءها، وتنافسًا وقتالاً عليها، ارتكبها خلفاء وملوك وسلاطين وأمراء، ومتطلعون يتشحون بالإسلام، ولكنهم تجاهلوه وخرجوا عنه وراء أغراضهم ومآربهم وأطماعهم، والإسلام الذى يتشحون به برىء مما فعلوه وارتكبوه وقارفوه، وظنى أن هذا ميراث الدواعش وكل التنظيمات الإرهابية، تستمد مما جرى، لتواصله فى الحاضر والمستقبل.
ولفت نظرى وبرزت أمامى مفارقة هائلة، بين ما جلبته آفة عشق السلطة والتقاتل عليها من فواجع، وبين صرح حضارة عظيمة حققها المسلمون، احتلت مكانتها فى تطور الحضارة الإنسانية بعامة، وتأثيرها فى النهضة الأوروبية بخاصة، وهذه الحضارة هى حجة الإسلام إلى الدنيا؛ وليس التقاتل وإراقة الدماء من أجل السلطة، وهذه الحضارة هى الإنجاز الحقيقى فى هداية البشرية، وتكريس الاتجاه إلى الله، ولذلك بادرت إلى وضع كتاب « الإسلام والعلم والحضارة » ( نهضة مصر 219/2020).
إذن فليست نظرية المؤامرة كل ما هنالك، ولكن المؤسف أنه رغم أن أمتنا قد خصها الله تعالى بمقومات الوحدة والاتحاد، رقعة جغرافية واحدة، ولغة واحدة، وقبلة واحدة، وتاريخ واحد.. إلاّ أنه برغم جامعتنا العربية فيما يقول الدكتور الطيب ومنظمة التعاون الإسلامى التى مضى على إنشائها أكثر من نصف قرن، فإن الفرقة والتنازع حَلاَّ محل الوحدة والاتحاد، ولم نستطع حتى أن نقيم اتحادًا يشبه الاتحاد الأوروبى، أو إقامة سوق عربية مشتركة، بينما نجحت أوروبا رغم اختلاف الأعراق واللغات وميراث الحروب التى اندلعت فيما بينها فى الحربين العالميتين الأولى والثانية !
لا ينبغى فيما يقول الإمام الطيب : « أن نغض الطرف عن مسئوليتنا عن أفكار الغلو والتطرف التى تسربت إلى عقول بعض شبابنا، ودفعت بهم دفعًا إلى تبنى الفكر التكفيرى، واعتناق التفسيرات المتطرقة والعنيفة، وظهور الحركات المسلحة التى خرجت من عباءة هذا الفكر، وراحت تعمل ليل نهار على مهاجمة الأوطان وزعزعة الاستقرار، وقد ظهر مؤخرًا على الساحة تنظيم «داعش» الذى نادى بالخلافة الإسلامية، وظهرت قبله وبعده ميلشيات طائفية أخرى، تملك قوة دعائية هائلة، عادت للأسف بأسوأ العواقب على الإسلام والمسلمين فى العالم كله.
وليست «داعش» هى الفصيل المسلح الوحيد على الساحة، بل هناك ميلشيات أخرى طائفية تذبح وتُهجِّر قسرًا فى العراق وسوريا واليمن، وهناك طوائف مذهبية تحاول جر الأوطان إلى ولاءات إقليمية خارجية باسم الديمقراطية وحقوق الإنسان، كما يحدث فى البحرين مثلا، ولكل هؤلاء وأولئك شيوخ ومُفتون، يحللون لهم هذه الجرائم، ويشجعونهم على اقترافها.
وليختم بعبارات تفصح عن الكثير، فيبدى أن الفم به كثيرٌ من الماء، يحول دون الاسترسال فى الحديث عن هذه المأساة اللاإنسانية واللاأخلاقية، حرصًا على وحدة المسلمين التى هى الهدف الأسمى للأزهر الشريف منذ قامت مؤسسته، وانتشرت دعوتها فى الآفاق على مدى أكثر من ألف عام.
www. ragai2009.com