الأزهر واتحاد الكلمة (1)
أصل هذه الكلمة، محاضرة ألقاها الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب ـ ألقاها فى الرياض، فى حفل أقامه معالى الشيخ صالح آل الشيخ وزير الأوقاف والشئون الإسلامية الأسبق، بحضور سماحة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ مفتى السعودية، وهيئة كبار العلماء فيها، ولفيف من كبار المثقفين والوزراء، وذلك فى العاشر من جمادى الآخرة 1434 هـ /20 أبريل 2013 م.
وأول التوفيق فى هذه المحاضرة، التوفيق فى اختيار موضوعها: «اتحاد الكلمة».. وبدأها الإمام الطيب بقوله للحاضرين: «تعلمون حضراتكم ما آلت إليه أحوال العالَم الإسلامى فى العقود الأخيرة من من ضعف؛ بسبب من بعض أبنائه ومن خصومه أيضًا على السواء، وتعلمون أيضًا ما آل إليه هذا الضعف من تفكك واختلاف، ولعلنا جميعًا نسلم بذلك واقعًا مشهودًا ملموسًا لامُشاحَّة فيه».
«وأعتقدُ أنى لا أضيف جديدًا إن قلتُ: إن هدف الأزهر الأول ـ بحسبانه مؤسسة إسلامية جامعة ـ إنما هو العمل على توحيد كلمة المسلمين وتحقيق تضامنهم؛ لأن الوحدة الثقافية العلمية الجامعة التى لا تقصى بعضًا من أفرادها ـ هى الأساس لكل وحدة وقوة حقيقية تجمع ولا تُفرق، وتدوم ولا تنقطع، وصدق الشاعر العربى؛ إذ يقول:
تأبَى الرماحُ إذا اجتمعن تَكَسُّرا فإذا افترقــن تكسَّـــــرَت آحـــادا
«والأزهر ـ أيها الإخوة ـ يضع همَّ وحدةِ المسلمين نُصْبَ عَينَيهِ، منذ قام حِصنًا لعقيدة أهل السنة والجماعة، ومثابةً للمسلمين فى كل بقاع الأرض؛ ليتلقّوا علوم الإسلام اعتمادًا على الكتاب والسنة أولاً وقبل كل شىء، ثم فى إطار ثقافة شاملة تُبرِز قيمة رسالة الإسلام إلى الناس على أساس راسخ متين يستبطن إتقان اللغة العربية، والتمكُّن من تراثها العريق الذى ينبنى عليه الفهم الصحيح للخطاب الإلهى فى الكتاب والسنة.
«وقد شاء الله للأزهر أن يقوم بهذا الواجب على نحو متواصل منذ ألف عام ـ بل يزيد ـ رغم تباين الظروف المواتية والمعوِّقة ؛ وقد استوعـب باقتـدار حقيقـة الاعتصام بحبل الله المتين، والثبات على صراطه المستقيم، وواجَهَ مواطن النزاع والخلاف والفتنة، التى يزرع بذورها الأعداء، ويستجيب لها البسطاء، ثم تدفع الأمة بأسرها ثمنها غاليًا.. «وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ * وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» (آل عمران 103، 104).
«إن الأزهر أيها الإخوة الأفاضل الكرام ـ لا يسأَم من التذكير بحقيقةٍ تغيب عن وعى كثيرٍ منًّا، وهى أن أهل السنة والجماعة هم جمهور الأمة الإسلامية المتمسّكون بهدى الكتاب والسنة، المعظّمون لصحابة رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ المهتدون بتراث الأئمة الذين تلقّتهم الأمّة بالقبول، من علماء الصحابة والتابعين والقرون الخيِّرةِ، ومن بينهم أبو حنيفة ومالك والشافعى وأحمد رضى الله عنهم وأرضاهم، وكذلك غيرهم من الأئمة الأعلام المجتمهدين الثقات، على تنوع مَشاربِهم، وتعدُّد وجهات نظرهم، وكذلك ممّن أحيوا علومهم، وتَابَعُوا جهودَهم، واستثمروا أصولهم ؛ كأبى منصور الماتريدى، وأبى الحسن الأشعرى، والجُنَيد البغدادى، والحارث المحاسبى، والقشيرى، والغزالى، وعلماء الحديث وفقهائهم منذ البخارى ومسلم، وصولاً إلى ابن عَقيل، وابن الجوزى، وابن قُدامة، وابن تيميّة، وابن قيّم الجوزية، وابن دقيق العيدِ، والسبكىِّ، وابن حجر، والشاطبى، والسيوطى، رحمة الله عليهم، وكلهم أعلام تزدهى بهم ثقافتنا الإسلامية، وشريعتنا العالّمية التى وسِعَتِ الناس من كل جنس ولسان، على اختلاف الأقاليم والبُلدان.
«ويَعلَمُ الدارسون وطلاب العَلمِ أن أئمة الأشاعرة ـ مثلاً، يقرِّرون فى كتبهم: أن أهل السنة والجماعة عُنوانٌ جامعٌ يشمل الأشعرية والماتريديّة وعلماء الحديث. هذا ما يقرَّره الإمام الرازى والإسفرايينى فى «التبصير»، والبغدادى فى «أصول الدين»، والآمدى فى «أبكار الأفكار»، لا يعرفون قصرًا ولا إقصاءً، ولا حصرًا ولا استبعادًا».
www. ragai2009.com