الإمام الطيب والقول الطيب
(53)
لا شك أن مهمة علماء الأزهر فى الخارج، تختلف عن المهمة فى مصر، فعالم الأزهر، يكون بمثابة سفير للأزهر، وللإسلام، فى المجتمعات التى يتعامل معها بخارج البلاد. ومن ثم مطلوب منه أكثر مما هو مطلوب منه فى وطنه، ويلزمه أن يتحلى بمزيد من القدرات حتى يستطيع الاقتراب من أناس مختلفين فى الجنس والثقافة والتقاليد الاجتماعية، وهناك فى المجتمعات الفقيرة فى قلب أفريقيا وغيرها، ما يستوجب من الداعية أن يكون ملمًّا بقدرات إضافية، فى الإسعاف مثلاً، وبذل المعونة الطبية، لذلك فقد حرص الدكتور أحمد الطيب،أن يلتقى بعلماء الأزهر الشريف الموفدين إلى أرجاء الدنيا، ليتحدث إليهم فى رسالتهم التى سينهضون بها وآدابها، ووصاياه إليهم.
كان هذا اللقاء فى شوال 1431 هـ : ستبمبر 2010 م، نبّه فيه إلى أن المهمة الموفدين لأدائها، هى مهمة عُظمى، جوهرها حمل رسالة الإسلام الصحيحة إلى الدنيا، وتعليم المسلمين ومن يشاء من غير المسلمين بالإسلام.
أول معالم هذه المهمة، أن كلاًّ من الموفدين، موفد فى رسالة سامية هى تعليم الإسلام، وتعليم اللغة العربية لمن يحتاج إلى معرفتها أو الإلمام بها، وهذا واجب يقتضى من القائم بها أن يكون على مستوى هذه الرسالة، علمًا، وخُلقًا، وسلوكًا، واستشعارًا للمسئولية، وهو ما يدعوه أن يترفع فى سلوكه بعامة، عن الدنايا والصغائر، وأن يكون سفيرًا صالحًا فى تمثيل الإسلام والنيابة عن الأزهر الشريف.
وثانى ما يجب إلتفاتهم إليه، أنهم سيجدون إلى جوارهم مبشرين مـن أديـان وملل أخرى، وقد جاءوا من بلاد غنية، ومع ذلك رضوا بمستوى للمعيشـة أقل كثيرًا مما اعتادوه فى بلادهم، ويتحملونه وفاءً لرسالة التبشير التى يؤمنون بها واغتربوا من أجلها.
ولو تأمل موفدوا الأزهر، لعلموا أنهم أفضل فى أوضاعهم بالقياس إليهم، وهو ما يجب أن يحثهم على الاكتفاء بالقليل، لأن همّهم الأول والأخير هو القيام برسالة سامية فى دعوتهم فى أفريقيا وآسيا وأوروبا..
وثالث ما يجب التفطن إليه، أن الأزهر قد عالج من أجــل نجاحهــم فـى رسالتهم سلبيات تراكمت فى قضية إيفاد علماء الأزهر، وهى تسمية يؤثرها الإمام على مسمى «إعارة مدرسين».
فليست هذه الرسالة مجرد إعارة مدرس، وقد وُفق الأزهر وجامعته فى كفالة فرص الانبعاث لكل مؤهل لاجتياز الاختبارات العلمية والشخصية، وستظل هذه الاختبارات هى أساس المفاضلة والاختيار.
وكذا، فإن معيار الاستمرار فى الإعارة وإكمالها، هو أداء المبعوث بالخارج : أدؤه العلمى، وإلتزامه بمنهج الأزهر وثقافته، وسلوكه مع الناس ومع من يتلقون عنه، وعنايته بمظهره وملبسه ونظافته .
ولا ينسى الدكتور الطيب أن ينبّه إلى وجوب إلتزام اللغة العربية الفصحى، وأن يكون الكلام سهلاً مضبوطًا بقواعد اللغة العربية.
فمما يبعث على الأسى سماع طالب من أفريقيا يتحدث اللغة بأفضل مما يتحدث بها كثير من الطلاب، بل المدرسين والأساتذة فى الأزهر.
ويحذر الإمام الطيب، من استثقال هذا الأمر، فالعلم بالتعلم، والوجود بين غير العرب فرصة لتمرين اللسان على الأسلوب العربى السهل الصحيح، وسوف يجد الداعية مساعدًا فى قراءة القرآن الكريم، والمؤلفات الإسلامية التى اقترنت بسلاسة الأدب، كمؤلفات طه حسين الإسلامية. وغيرها.
فإذا كانت البعثة فرصة لإتقان اللغة العربية الفصحى، المنضبطة والسهلة، فإنها فرصة أيضًا لتعلم لغة البلد الذى يعيش فيه، وأمامنا ما فعله رفاعة الطهطاوى عندما عاد من بعثته فى فرنسا وقد أتقن اللغة الفرنسية، وكان هو باعث مدرسة الألسن.
وفى صراحة واضحة، يقول الإمام للموفدين :
لا تقتلوا أوقات الفراغ وأمسياتكم فى حساب المرتب، وكم تصرف، وكم توفر، وكم يساوى الدولار، وما هى الحصيلة المتوقعة فى نهاية العالم ؛ فكل هذه أمور قسمت من قبل أن تولدوا، ومن العبث ضياع الوقت فيها.
اقض وقت الفراغ بالليل فى القراءة والبحث، وإعداد الدرس جيدًا. لا تتقوقعوا فى مساكنكم وتكتفوا بالحديث عن الأهل والأوطان والبلاد، بل تلفتوا حولكم، وادرسوا الأجواء التى تحيط بكم ؛ الجو السياسى، الجو الثقافى، العادات والتقاليد…
حاولو أن تقيّدوا كل ليلة فى سطور قليلة أو كثيرة حياتكم اليومية، واحتفظوا بها، فهذا التقييد اليومى سيدرّبكم فى غضون شهر على الكتابة السليمة، والنطق السليم، وطبعًا القراءة السليمة .
www. ragai2009.com