من تراب الطريق (1217)

من تراب الطريق (1217)
رجائى عطية

رجائى عطية

6:35 ص, الثلاثاء, 9 نوفمبر 21

الإمام الطيب والقول الطيب

(50)

مكتبة الأزهر

تستحق مكتبة الأزهر أن يفرد لها هذا العنوان، وقد قُيض لى لعضويتى بمجمع البحوث الإسلامية، أن أطلع عليها، وأن أتعامل معها، وأستعير منها، ولكنى على خلاف عديد من المستعيرين، حرصت على أن أرد لهذه المكتبة العظيمة الهائلة ما إستعرته منها.

وخيرًا فعل الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، بإهتمامه بالحديث عنها، مقدمًا لحديثه الطيب بأن عمر مكتبة الأزهر هو عمر الجامع نفسه، ممهدًا بأن الحديث عنها نشأة وتطورًا أكثر من ألف عام، لا يمكن أن يتسع له المجال، ولكنه لا يحب أن يمضى دون إبداء بعض الخطوط العريضة بشأنها. قال:

«إن هذه المكتبة الحالية الموجودة الآن ليست هى المكتبة القديمة التى يتحدث عنها المؤرخون، وإنما المكتبة القديمة أنشئت بعد إنشاء الجامع الأزهر بعشرين عامًا، وعليه؛ فإن تاريخ مكتبة الأزهر يعود إلى عام 381هــ، الموافق 991م.

وقد تناول المؤرخون تطور هذه المكتبة عبر العصور استنادًا إلى الشذرات والمقتطفات المتناثرة التى فى بعض كتب الأخبار والأنباء والمواعظ والإعتبار؛ كالمقريزى، وابن الميسر، وابن خلكان، وابن إياس، وغيرهم.

وربما كان أقدم إشارة تتعلق بمكتبة الأزهر ـ ما أورده ابن الميسر من أن أمانة المكتبة كانت تعد من الوظائف الكبرى، وأنه فى سنة 517 هـ/1123م أسندت وظيفة أمانة المكتبة إلى خطيب الجمعة فى الجامع الأزهر، وان مكتبة القصر الفاطمى كانت تحتوى على أكثر من مائتى ألف مجلد، فى سائر العلوم العلوم والفنون ؛ فى الفقه، والحديث، والتاريخ، والأدب، وغيرها، نقل نصفها إلى الجامع الأزهر بأمر الحاكم بالله.

ويؤخذ من هذه القبسات التاريخية أمران:

أولاً : ان عمر مكتبة الأزهر هو: 1012 عامًا تقريبًا.

ثانيًا: أن هذه المكتبة قد زودت بمائة ألف كتاب فى القرن الرابع الهجرى، العاشر الميلادى.

ولنا بعد ذلك أن نتصور عظمة وخطر مكتبة بهذا الحجم وهذا التاريخ.

وفيما يتعلق بوضع المكتبة فى العصر الحاضر؛ فإن من المهم أن نشير إلى أن التاريخ الحديث لهذه المكتبة يرتبط بدعوة الإمام محمد عبده (1849 ــ 1905م) مفتى الديار المصرية إلى إنشاء مكتبة مركزية، تجمع شتات الكتب المتناثرة فى المساجد والأروقة والمدارس، والتى كانت تتبع مكتبة الأزهر..

وقد تقدم بهذ المشروع إلى الشيخ: حسونه النواوى، شيخ الأزهر (1839 ــ 1924م)، والذى أصدر قرارًا بإحصاء الكتب وتجميعها وحفظها فى مبنى يخصص لهذا الغرض، وتم تنفيذ الفكرة فى أول محرم، من سنة: 1314هـ/1897م، ونقلت الكتب والمخطوطات إلى الأماكن التى خصصت لها.

ولم تقتصر دعوة الإمام محمد عبده على تجميع الكتب فى الأماكن المخصصة، بل دعا إلى المشاركة فى تزويدها بالتبرع بالمكتبات المتوارثة إلى مكتبة الأزهر، وكان أول المستجيبين لهذه الدعوة شيخ الأزهر الشيخ حسونة النواوى، الذى تبرع بمكتبته للأزهر، وأيضًا ورثة المرحوم سليمان باشا أباظة، الذين اهدوا مكتبة والدهم إلى مكتبة الأزهر.

أما المبنى الجديد للمكتبة ؛ فإن قرار إنشائه يعود إلى الشيخ محمد مصطفى المراغى (1881 ــ 1945م) الذى تولى مشيخة الأزهر عام / 1928م، لكنه لم يُنفَّذ فى ذلك الوقت، وظل يتعثر حتى عهد الإمام الأكبر الدكتور عبد الحليم محمود شيخ الأزهر (1910 ــ 1978م)، الذى أحيا قرار المشروع من جديد، ودفع به إلى مرحلة الإتفاق على إنشاء المبنى، غير أن تنفيذ المبنى لم يتم إلاَّ فى عهد الشيخ جاد الحق (1917 ــ 1996م)، الذى تولى مشيخة الأزهر فى: 1982/3/17م؛ حيث وُضِع المشروع موضع التنفيذ الفعلى، وأنشئ المبنى الحالى، والمكون من أربعة عشر طابقًا فى حديقة الخالدين بالدراسة بالقاهرة.

وعندما تولى الأستاذ الإمام الدكتور محمد سيد طنطاوى مشيخة الأزهر تابع تحديث المكتبة بالتنسيق مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء؛ وذلك بإنشاء قواعد بيانات ببليوجرافية لجميع مقتنيات المكتبة، تيسر استدعاء المعلومات المطلوبة، باستخدام أحدث نظم التصنيف العالمية، والفهرسة، واستخدام برنامج المكتبات الآلية، لكن هذا التحديث ما زال فى مراحله الأولى، الأمر الذى يجعل اكتشاف المخطوطات فى هذه المكتبة والتعرف عليها أمرًا صعبًا، وذلك للأسباب الفنية التالية:

-1 أن الفهارس المنشورة للمكتبة فى تسع مجلدات لا تتضمن 15000 مجلد من المخطوطات، وكثير منها ما يدخل ضمن المخطوطات النادرة.

-2 أن المكتبات الخاصة بأروقة المغاربة والشوام والأتراك، والتى تحتوى على آلاف المخطوطات، كانت تحت إدارة مشايخ هذه الأروقة، ولم ينقل الإشراف عليها لإدارة المكتبة الأزهرية العامة إلا بعد صدور فهارس المكتبة، وأخر هذه الفهارس طُبع سنة: 1978م؛ وعليه فلم تدخل محتويات تلك المكتبات فى هذه الفهارس، ويبلغ العدد التقريبى لتلك المخطوطات: خمسة عشر ألف مخطوط، فى مختلف فروع العلوم الإسلامية.

-3 أن هناك آلافًا من المخطوطات كانت موزعة فى مكتبات المعاهد الأزهرية خارج القاهرة، وتم تجميعها فى المكتبة الأزهرية منذ أربع سنوات، لكنها لم تفهرس فهرسة آلية فى الحاسب، ولا حتى فهرسة ورقية فنية.

أما رؤية الإمام الطيب المستقبلية لهذه المكتبة العظيمة النادرة، فموضع حديثنا القادم بمشيئة الله.

www. ragai2009.com

[email protected]