يناقش هنا الإمام الأكبر الدكتور الطيب، قضية بالغة الأهمية، إقتضتنى شخصيًا أن أضع كتاب «حقائق القرآن وأباطيل الأدعياء»، القرآن نعرفه ونعرف أنه وحى إلهى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، أما الأدعياء فهم شرذمة على رأسها الرئيس الفرنسى الأسبق ساركوزى الجارى محاكمته وصدرت ضده أحكام عن فساد مالى، ومنهم المطرب شارلزآز نافور، الذى مات بعد دعوتهم بشهر أو شهرين، وآخرون، خرجوا علينا بدعوة من باريس تدعو لإعادة النظر وحذف آيات من القرآن الكريم، بدعوى أنها تعادى السامية، وتحض على كراهية اليهود، وبزعم أن بابا الفاتيكان إستبعد بعض آيات من الكتاب المقدس، وهو زعم كاذب، كما وأن القياس غير جائز أصلاً، فالعهد القديم والجديد، روايات بشرية يحكى رواتها ما شاهدوه أو سمعوه، ولكنه ليس كلام الله، وليس وحيًّا إلهيًا أنطق الله به رسوله، إلى جهل هذه المجموعة العربية بما إجترأوا عليه، وليس أدل على ذلك من أنهم لا يعرفون اللغة العربية، ومن ثم لم يقرأوا القرآن ليفتروا عليه بهذا اللغو!
والإمام الأكبر يحدثنا هنا عن عمومية هذا الإعتقاد الذى يعتقده كثير ٌ من الغربيين، أن الإسلام، وكذلك القرآن، يجب أن يخضع للتغيير والتحور والتبديل، زاعمين أن المسلمين إن لم يتعاملوا مع قرآنهم مثلما يدعون أن الغربيين يتعاملون به مع الكتاب المقدس، فإنه لا أمل للمسلمين فى التعدى.
وهذا كذب. فالغرب الدينى يعتنق أن زوال جبال الدنيا ممكن، ولكن لا يمكن زوال حرف واحد من الكتاب المقدس. وترصد مؤسساتهم الإمكانات المادية الهائلة لنشر الكتاب المقدس والتبشير به وبخاصة بين المسلمين.
أما الغرب العلمانى، فإنه لا يؤمن بهذا الكتاب ولا بغيره من الكتب السماوية، ولكنه يؤمن بالتقدم والحداثة التى تتقاطع جذريًا مع الدين، ومع كل موروث قديم، وأن على المسلمين إن أرادوا التقدم والنهضة أن يسلكوا هذا السبيل، وأن يعطوا ظهورهم للقرآن ، ويلجأوا إلى الحداثة الغربية ويتبعوها.
والغرب الدينى، والغرب العلمانى، وإن إختلف منظورهم، إلاًّ أنهما يتفقان فى استهداف الشرق الإسلامى، وينتهيان عمليًّا ربما عن غير قصد إلى غاية واحدة ؛ هى زعزعة الجذور الدينية للحضارة الإسلامية، والعبث بها قدر إمكانهم. إما بمعول التبشير الذى صارت له قنوات فضائية ناطقة بالعربية والهدف واضح تشكيك الملسمين فى دينهم وثقافتهم، وإما بمعول الحداثة الغربية، وبمعنى أدق بمعول التحديث فى إتجاه الغرب.
وغير صحيح أن التحديث صناعة غربية خالصة، أو أنه لا حداثة غير حداثة الغرب، فالفرق عند الشرقيين واضح وحاسم بين الحداثة وبين التغريب، وهو أى التغريب مرام هؤلاء، لذلك يجب التمييز الحاسم بين الحداثة، وبين التغريب.
من الحقائق التى يتجاهلها هؤلاء، أن لكل حضارة طابعها، كالحضارة الغربية، والحضارة الإسلامية، والهندية، واليابانية.. وهكذا..
فكيف وبأى منطق تفرض على حداثات الأمم والشعوب صيغة واحدة، غريبة عنها، وصادمة لتاريخها ولجذورها النفسية والعقلية والثقافية!
إن لكل أمةٍ وكل حضارة «حداثتها» التى تثمرها رؤيتها وثقافتها وعقائدها وتاريخها، ومن ثم فإنه ما قد يعد حداثة مثمرة فى حضارة الغرب، يمكن أن يكون فيه الهلاك لحضارة الشرق.
www. ragai2009.com