من تراب الطريق (1210)

من تراب الطريق (1210)
رجائى عطية

رجائى عطية

6:08 ص, الأحد, 31 أكتوبر 21

الإمام الطيب والقول الطيب

(43)

كان مخططًا لمسجد الأزهر الكبير، أن ينشر المذهب الشيعى الإسماعيلى، فهو المذهب الرسمى للبلاد آنذاك، إلاَّ أن الأقدار شاءت أن يصير منارة لجميع العلوم الإسلامية التى ترتبط بالقرآن والسنة، واجتهادات الأئمة على جميع المذاهب.

وبذلك امتاز الأزهر جامعًا وجامعةً بميزتين أساسيتين جعلتاه المرجعية الكبرى للمسلمين، السنة، وغير السنة.

أولاهما: أن التعليم الأزهرى يقدم لطلابه فهمًا صحيحًا وأمينًا لعلوم الإسلام ورسالته، ويعبر عن تراث الإسلام بكل تجلياته، وتنوعاته، النقلية والعقلية والعرفانية، وهو ما هيأ لحضارة المسلمين أن تستوعب الحضارات الأخرى، أخذًا وعطاءً.

طفق الأزهر يدرس فى الفقه، ولا يزال، مذاهب أهل السنة، ومذهب الشيعة الإمامية، ومذهب الزيدية، ومذهب الإباضية. كما يدرس المذاهب العقدية: المعتزلة والأشاعرة، والماتريدية، والجبرية، والصوفية، والسلفية، ولا يقصى مذهبًا لحساب آخر.

ثم هو يدرس الفلسفة اليونانية، والفلسفات الشرقية القديمة، وفلسفات العصر الوسيط، ومدارس الفلسفة الحديثة والمعاصرة.

ويدرس الأديان السماوية ؛ اليهودية، والمسيحية، ويرى أن القضايا الخلافية معهما لا تفسد ودًّا ولا تقطع رحمًا، والإسلام يتعانق فيه كل الأديان والرسل ؛ وتردهم الدراسات الأزهرية إلى أصل واحد، وأرومة مشتركة.

أما الميزة الثانية، فهى أنه يدرس تعليم الأزهر الجامعى لنحو خمسة عشر ألف طالب وطالبة وقت هذا الحديث، زادوا الآن عن ذلك، وينتمى الوافدون إلى (104) دولة، ويدرس فى تعليمه قبل الجامعى ما يزيد عن ألف تلميذ صغير وافد من مختلف أرجاء الدنيا، كما تُسجّل الرابطة الدولية لخريجى جامعة الأزهر ما يقرب من خمسين ألف خريج، منتشرين فى أنحاء العالَم.

وأن الأزهر جامعًا وجامعةً يستقبل فى أروقته أبناء العالم الإسلامى كله، يعلمهم صحيح الدين حسبةً لوجه الله تعالى، ومن ميزانية مصرية خالصة.

وما نظن أن هذه الميزة أُتيحت لمؤسسة علمية أخرى غير الأزهر، وقد هيأت هذه الميزة للأزهر مع ميزات أخرى لأن يكون صوته صوت الإسلام، والمرجعية الكبرى للمسلمين.

وكيف لا ؟! وقد تحرر من كل الضغوط والأجندات السياسية والمذهبية والطائفية التى سيطرت على بعض نظم التعليم الأخرى ؛ والتى أسهمت مع غيرها إسهامًا غير واعٍ ولا متبصر فى تقديم العذر لبعض الغربيين، فى نظرتهم العدائية للإسلام حين وضعوا المسلمين كلهم بأزهرهم فى سلة الإرهاب والتطرف، وتحدثوا عن حضارتهم حديثًا منكرًا، يعلمون أنه حديثٌ مفترى وكاذب ومصنوع لتحقيق المطامع والأغراض.

وفى السنوات القليلة الماضية شارك الأزهر فى ندوات حوارية مختلفة عُقدت فى أوروبا وأمريكا، ولم تكن النتائج المرجوّة فى مستوى الآمال المعقودة ؛ حيث وقفت بعض السلبيات حجر عثرة فى طريق الحوار المتبادل بين الأزهر والغرب، وواجب العدل والإنصاف يقتضى القول بأن هذه السلبيات ليست موجودة فى جانب الغرب فقط، بل هناك على الجانب الشرقى سلبيات وإن تكن من نوع آخر.

وأول هذه السلبيات من جانب الغرب، هى عدم اعتراف الغربيين بالإسلام دينًا سماويًّا، وبالقرآن وحيًا إلهيًّا، وبمحمد( صلى الله عليه وسلم ) نبيًّا مثل موسى وإبراهيم عليهما السلام.

ويريبُنا كثيرًا نظرهم المستمر إلى الإسلام فى القرن الواحد والعشرين من منظور العصور الوسطى، بكل ما فيها من تشوهات ومقاربات ترفضها مناهج البحث العلمى الحديث.

ومن الإنصاف القول: إن هذا الحُكم ليس على إطلاقه، فليس كل الغربيين على شاكلة واحدة فى موقفهم من الإسلام، ولكن من المؤكد أن هذه الرؤى القديمة الشائهة، وكان المظنون أنها تلاشت وصُحّحت بفضل تقدم الدراسات الإسلامية فى الغرب هذه الرؤى قد بُعِثَت من جديد، مع ما سمُّوه بالعنف فى الشرق الأوسط، وظهر وُعَّاظٌ غربيون متطرفون، ورجال دين ذوو أصوات مؤثرة فى الإعلام المرئى والمسموع والمقروء، يصفون الإسلامم بأنه دين شرّير وآثم.

أضف إلى ذلك: الأوصاف البشعة التى جعلوا يعممونها على المسلمين جميعًا، من قبيل أنهم غير متعلمين ولا متحضرين، وأنهم مقهورون جنسيًّا، وسُلطَويّون، وغيبيّون، ينظرون إلى المرأة باعتبارها آلة للتناسل، كما أنهـم فاسـدون أخلاقيًّـا، ومتدنّيـون فكريًّـا، وأن العالم الإسلامى ليس إلاّ حالة دائمة من الفوضى والفساد، وأنه عقبة أساسية أمام التحديث.

www. ragai2009.com

[email protected]