من تراب الطريق (1208)

من تراب الطريق (1208)
رجائى عطية

رجائى عطية

6:30 ص, الأربعاء, 27 أكتوبر 21

الإمام الطيب والقول الطيب

(41)

رؤية الإمام الأكبر

(2)

وأضاف الإمام الأكبر من المؤسف حقًّا أن نقرر، أن ارتباط جماهيرنا بالتراث مقصور على مجال العبادات، بينما يختفى هذا الارتباط أو يكاد فى مجال العمليات والاجتماعيات، وأنه لا يزال أمام دعاة المسلمين من أُولى الفهم والوعى الكثير مما هو مطلوب لربط المسلم بتراثه فى هذا المجال.

«رابعًا: لا أرى أن التراث هو المحرك لتصرفاتنا، والمسئول الأول والأخير عن أزماتنا المعاصرة، بل أستطيع أن أنطلق من نقيض هذه الدعوى وأزعم أننا لا نستلهم تراثنا الإسلامى فى كثير مما نفعل أو نترك.. وإلاَّ فأين فى أمتنا العربية والتى يعلقون تخلفها على مِشجَبِ التراث أين فيها هذا المجتمع الذى تنضبط قواعد حياته على أصول الحلال والحرام فى التراث ؟

ويضرب الإمام الأكبر لذلك مثلاً موقف مجتمعاتنا الإسلامية من المرأة.. إن بعض هذه المجتمعات ينظر إليها فى إطار العورة، ويصادر فى هذا الإطار كثيرًا من حقوقها التى يقررها الإسلام والإنسانية فى وضوح لا لبس فيه، هل هذا الموقف مقولة تراثية إسلامية، أو هو مرضٌ مزمنٌ ورثناه من عصر ما قبل الإسلام؟

«نموذج آخر:

«البعض الآخر من مجتمعاتنا ينظر إليها فى إطار غربى تختلط فيه الإيجابيات والسلبيات معًا. فهل هذه نظرة تراثية إسلامية، أو هو انسحاق فى تراث آخر غير تراث الإسلام ؟ إن هذا أو ذاك تقليد وافد على تراثنا من خلف ومن أمام، ولا يستطيع منصف أن يلحق أيًّا منهما بتراث الإسلام. ونحن لا ننكر أن فى تراثنا أقوالاً منغلقة وفهومًا قَبَليَّةً قدمت لنا أحكامًا خالية من روح النص ومقاصده، بل ومتعارضة مع روح النص ومقاصده، ولكن وبكل التأكيد ليس هذا هو التوجه السائد أو التوجه الأغلب فى هذا التراث المظلوم.

«وإذن.. فقدر كبير جدًّا من أنماط سلوكنا لا يعكس تراثنا الإسلامى بقدر ما يعكس إما تأثيرات مزمنة من مجتمعات قَبَليَّةٍ سابقة على ظهور الإسلام، أو تأثُرات مُستجلَبةً من بيئات غربية، أو من خليط غير متجانس ولا متوازن بين هذين المصدرين المتضادين.

«فليس صحيحًا ما يؤكده مشروع «التراث والتجديد» من أن سبب خلط الأوراق فى أذهاننا هو أننا نعمل بالكنـــدى، ونتنفس بالفارابى، ونرى ابن سينا فى كل الطرقات، بل المشكلة فيما أرى والكلام للإمام الأكبر، أننا نعيش عصرنا وإحدى قدمينا فى ميدان «داحسٍ والغبراءِ» والأخرى فى «البيكادلى والشانزليزيه»

(Piccadilly & Champs – Elysees) وغياب التراث الحقيقى كان دائمًا مصدر الخلل، وستظل مقولاته الثابتة هى الحلقة المفقودة لاستعادة توازن المسلمين فى عصرهم الحاضر».

* * *

وفى اعتقادى أن هذه الخاتمة التى نقلتها بنص عبارتها للإمام الأكبر، فيها خلاصة الواجب الذى علينا أن نتفطن إليه، لفرز الغث وإقصائه، والتقدم إلى التجديد برؤية عميقة صادقة ومخلصة، تلتزم أصول التراث وثوابته، وترنو إلى التجديد فيما يحتاج إلى تجديد فى الفروع والمتغيرات، فالإسلام بنية حيَّة، والتجديد من مقوماته، والتصدى لذلك معقود على العلماء الدارسين المخلصين، أو على حد تعبير الإمام الأكبر: «إن تجديد التراث الإسلامى لا يحسنه إلاَّ عالم ثابت القدمين فى دراسة المنقول والمعقول، فاهم لطبيعة التراث ولطبيعة المناهج وأدوات التحصيل الفكرى المستخدمة فى البحث والتقصى».

www. ragai2009.com

[email protected]