والأزهر فيما أبدى إمامه الأكبر الدكتور الطيب فى كلمته البحثية، وإنْ كان قد تبنى ـ منذ القدم ـ المذهب الأشعرى، فذلك لأنه وجد فيه العلاج الناجح لأمراض وعلل أصابت الفكر المتصل بالدين، وبخاصة فى القرنين الأخيرين الماضيين، وكان ذلك بسبب فرض المذهب الواحد والرأى الواحد، وهو ما أدى إلى القضاء على مكمن القوة فى أمة الإسلام وتقهقر بها فى قائمة الأمم.
على أنه مع تمسك الأزهر وعلمائه ـ فيما أبدى الإمام الأكبر ـ بالمذهب الأشعرى، فإنه يفسح المجال واسعًا لكل المذاهب الكلامية الأخرى، وينظر إليها بحسبانها مذاهب إسلامية تستظل بدوحة الإسلام الوارفة التى يستظل بها كل من يشهد بالشهادتين ويصلى إلى القبلة ويأتى أركان الإسلام والإيمان.
والأزهر وهو يتبنى مذهب الإمام أبى الحسن الأشعرى، لا يتبناه فيما أوضح الإمام الأكبر تعصبًا لمذهب ولا لإمام من الأئمة، ولكن لأن هذا المذهب لم يكن مخترعًا ولا محدثًا فى الدين، بل كان انعكاسًا صادقًا أمينًا لما كان عليه النبى عليه الصلاة والسلام وصحابته وتابعوهم، من يسرٍ وبساطةٍ فى الدين : عقيدةً وشريعةً وأخلاقًا.
وما أقدم عليه الإمام الأشعرى، هو صياغة مذهب عقدى ينصر فيه القرآن والسنة، بدلالات العقول وبيان أن نصوص الوحى تستقيم على طريق العقل الخالص المتجرد من شوائب الهوى ولجاج الجدل والأغاليط.
اتصال المسلمين بالغرب
لقد اتصل المسلمون بالغرب منذ أكثر من قرنين من الزمان، وكانت هذه الفترة كافية ليقظتهم، ولوقوفهم الآن فى مصاف الدول التى تقدمت كاليابان وغيرها من الدول التى لم تنهض سلفًا إلاَّ بعد نهضة العالم العربى إبان نهضته، إلاَّ أن ماكينة «التكفير» والإقصاء والجدل العقيم، مضت تقتحم الساحة وتفشى آثارها المدمرة، ولم تدع فرصة لمفكرى العرب والإسلام وعلمائهم ـ للانصراف الهادئ إلى ترسيخ ثقافة تدفع بأوطانهم إلى المكانة اللائقة بأمة حملت مشعل الحضارة قرونًا، وتختزن فى أراضيها ثروات هائلة، فضلاً عن الطاقة البشرية بما يمكنها ـ لو أرادت واستقامت مسيرتها ـ من استثمار هذه الثروات بما يعود بالنفع على الإسلام والمسلمين.
الانصراف إلى المهجور والهامشيات !
وقد كان من معالم هذا التراجع، ترك فقه الأولويات، وترك اللباب والجوهر إلى القشور والهامشيات، فإذا بالبعض يهول فى قضايا لم يعد لها وجود، أو انحسرت فى ظل تقدم المدنية، وإذا بالبعض يفتعل المعارك حول الردة، وما حدها أو جزاؤها، مع أن مجمع البحوث الإسلامية أفتى برأيه الواضح الصريح المستقيم أكثر من مرة بأنه لا حَدَّ على الردة، ومع أن أحدًا لا يقيم الآن حدًّا للردة أو يطالب به، وتتزايد فى بعض الفضائيات برامج تتحدث عن «أوهام» و«أشباح» لا وجود لها فى واقع المسلمين، فى الوقت الذى يزعم فيه هؤلاء اللاغون أن العناية الإلهية قد بعثت بهم ليجددوا فى الإسلام !
لقد حدثت من جراء هذه الهجمات الضريرة على الإسلام ـ شجون وآلام، توازت معها أجندات التفجير والتدمير والإهلاك والنسف من الجذور، بهدف أو مأرب لا يغيب عن فطنة العارفين، ألا وهو تدمير الأمة وضرب استقرارها وزرع بذور الفتنة التى تؤدى إلى التحلل والتفكك والضياع !
التـجديد
لا يغيب عن علم العارفين، أن التجديد خاصيةٌ لازمة من خواص دين الإسلام، نبه إليها وأكد عليها النبى عليه الصلاة والسلام فى قوله الشريف: «إنّ الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها»، وهو حديث سنده صحيح ورواته كلهم ثقات، وأخرجه الإمام أبو داود فى سننه (4291)، والإمام الطبرانى فى المعجم الأوسط (6527)، والحاكم فى المستدرك (8593)، واعتمده أئمة وعلماء الحديث.
وهذا الحديث على رأس الأدلة النقلية فى وجوب التجديد فى الدين، ويلحق به الأدلة العقلية المستفادة من كون الإسلام ـ الدين الخاتم ـ رسالة عامة للناس جميعًا، وأنها باقية قائمة برسالتها وصالحة لكل زمان ومكان، ومستفادة أيضًا من كون النصوص محدودة والحادثات لا محدودة، الأمر الذى فرض ويفرض وجوب التجديد لمعرفة حكم الله فى الحوادث المستجدة اللا محدودة.
www. ragai2009.com
rattia2@hotmail.com