من تراب الطريق (1192) الإمام الطيب والقول الطيب (24) ضرورة التجديد المعاصر

من تراب الطريق (1192) الإمام الطيب والقول الطيب (24) ضرورة التجديد المعاصر
رجائى عطية

رجائى عطية

10:59 ص, الأحد, 3 أكتوبر 21

يشير فضيلة الإمام الأكبر الدكتور الطيب، فى بحثه هذا القيم عام 2001، إلى أنه لمعت فى سماء تاريخنا المعاصر، فرصة لتجديد حقيقى يضع أقدامنا على طريق نهضة إسلامية حقيقية، اضطلع بها رعيل من المجددين المحدثين والمعاصرين، ممن حملوا شعلة التجديد، منهم تمثيلاً لا حصرًا جمال الدين الأفغانى، ومحمد عبده، وسار فى دربها مجددون فى مصر والهند وتركيا والعراق وإيران وسوريا وبلاد المغرب.

ورغم أن حركات التجديد هذه قد أحرزت بالفعل نجاحات عديدة، إلاَّ أنها لم تنجح فى تفعيل الفكر الإسلامى بحيث يواكب مستجدات الحياة الاجتماعية والثقافية والسياسية، بل آلت الحركة فى النهاية إلى حالة من الوهن والضعف انعكست آثارها مؤخرًا على كل بلاد الشرق الإسلامى!

وقد ازدادت حدة الغزو الثقافى الغربى عما كانت عليه فى أوائل القرن الماضى، وحتى منتصفه، ولم يعد هذا الغزو يترك هامش أمان من ثقافة إسلامية تقليدية يحتمى بها المسلم من أشباح الضياع والاغتراب.

وربما كان هذا الغزو الثقافى الغربى محصورًا بين الوجهاء والبعثات التعليمية القليلة العدد، أو النخب المرفهة القادرة على تمضية الأجازات فى الغرب وعلى شواطئه، إلاَّ أنه بسبب الطفرة الهائلة فى تكنولوجيا الاتصال، تحطمت الحدود والحواجز، وسهل على الغرب أن يخترق بثقافته وسلوكياته المجتمع المسلم والأسرة المسلمة، وهو اختراق متجدد ومدروس بفلسفة استعمارية جديدة اتخذت «العولمة» عنوانًا وشعارًا لها.

ولا يعترض الإسلام على الانتشار الثقافى، إلاَّ أن هذه المواجهة الجديدة قد أحدثت مفارقات فى النظام الاجتماعى الإسلامى لم يُحسب حسابها من قبل، لأن زخمًا هائلاً من ثقافتنا لم يكن مؤسسًا على قيم وأصول إسلامية محررة، تؤهلها للتعامل مع هذا الوافد المكتسح، بقدر ما كانت أمشاجًا وأخلاطًا من عادات وأفكار تقليدية جامدة، أو أنماط منفلتة من ناحية أخرى.

وللأسف كانت القيم الإسلامية الأصيلة هى الغائب المفتقد دائمًا فى هذا الخليط غير المتجانس، وكما كانت صدمة الغرب فى القرن الماضى التى أشعلت لديهم فتيل التجديد، كانت العولمة، أو : «قانون المركز والأطراف» هى الصدمة الكهربائية التى وضعتنا فى مواجهة جديدة، بل محنة من نوع جديد، تستلزم منا العودة الواعية إلى التراث وإعادة قراءته فى ظل القيم والمفاهيم الجديدة والمتجددة، ذلك أن التراث مع التجديد لا مفر منه للنهضة المرجوة التى تبقى فيها الأمة الإسلامية على قيد الحياة.

خطان متوازيان

والتجديد المنتظر للخطاب الإسلامى المعاصر، ينطلق ابتداءً وأساسًا من القرآن والسنة، ثم مما يتناسب مع خطاب العصر من واقع كنوز التراث وتجديده.

ولا يعنى هذا أن يكون الخطاب شموليًّا خاليًا من تعدد الآراء ووجهات النظر، وإنما المطلوب خطابٌ جديد خالٍ من «الصراع» ونفى الآخر وادعاء احتكار الحقيقة فى رأى، ومصادرتها ونفيها عن رأى آخر مماثل.

إن الانفتاح على الآخرين، علمانيين أو غيرهم، يستهدف استكشاف «عناصر التقاء» يمكن توظيفها فى تشكيل إطار ثقافى عام يفيد منه الإسلاميون قبل غيرهم، وبعيدًا عن التنوير الزائف، خاصةً فى التغلب على المرض المزمن الذى يستنزف طاقة أى تجديد واعد، ويواجه التقسيم التقليدى إزاء «التراث والحداثة»، لتكريس تيار إصلاحى يتلافى تحويل المواجهة إلى صراع داخلى يترك الساحة خالية لمن يريدون سحق الجميع!

إن الذين لم يجدوا حرجًا فى الاستهزاء بالتراث والسخرية منه، بدلاً من إعادة قراءته والتجديد فيه، أدارت الجماهير ظهورها لهم، ومن ثم زادوا الأمور إظلامًا على ظلام!

إن التيار الإصلاحى الوسطى، فيما يقول، هو التيار المؤهل لحمل الأمانة، والجدير بمهمة «التجديد» الذى تتطلع إليه الأمور، وهو القادر على تجديد الدين لا تشويهه أو إلغائه، مع وجوب الالتفات إلى تفادى صراع الاستنزاف من اليمين ومن اليسار.

وأخيرًا ليس من هَمَّ هذه الدراسة أو الورقة كما يطيب لفضيلة الدكتور الطيب أن يسميها، أن تتفاعل مع الغرب أو تتناغم مع ألحانه، فما تزال تتمتع بكامل الصدق والواقعية، الحكمة القائلة بأن «الغرب غرب، والشرق شرق، ولن يلتقيا».

هَمُّ هذه الدراسة، أو الورقة، هو أولاً وأخيرًا «ضرورة التجديد»، بحثًا عن : مَنْ نحن ؟ ومَنْ الآخر ؟ وكيف نحاوره ولا نصارعه! فى رحاب انطلاقة موفقة فى مجال التجديد تجسر بها الفجوة بين الإسلام والعصر، وبين الفكر الإسلامى وحضارات العصر المختلفة.

عاود الأستاذ الدكتور أحمد الطيب، رئيس جامعة الأزهر آنذاك، المحاضرة فى «ضرورة التجديد»، فى مؤتمر «اتجاهات التجديد والإصلاح»، الذى عقد بمكتبة الإسكندرية فى 18 يناير 2009، فزاد ما كان قد تحدث فيه عام 2001 بيانًا وتوضيحًا، وزاد فى بيان المراجع التى تتحدث فى مفهوم تجديد الدين، وذكر بأن من عظمة حضارتنا الآخذة فى التراجع، أن مؤرخين غربيين وصفوا حضارة العالم التى استمرت نحو أربعة آلاف سنة، وكانت مشرفة على الزوال حين ظهر الإسلام فمثل الإسلام المدد الذى أمد العروق الجافة بالدماء، وقال أحد هؤلاء فى وصف الثقافة التى أتى بها الإسلام، بأنه «مما يبعث على الدهشة أن تقوم ثقافة كهذه فى جزيرة العرب فى نفس الوقت الذى اشتدت فيه الحاجة إليها، ووجدت هذه الثقافة الجديدة فى مبدأ التوحيد أساسًا لوحدة العالم كله».

وركز الدكتور الطيب فى دراسته على أن «ضرورة التجديد» الذى يتفق مع جوهر الإسلام، لا تقتصر على علم الفقه، وإنما يجب أن يشمل التجديد كل ما يهم المسلمين فى أمور الدنيا والدين، وكل ما يتصل بقوانين الحروب والسياسة وحقن الدماء، ورفض ما تنادى به الفقهاء بعد القرن الخامس الهجرى بغلق باب الاجتهاد، فهى دعوة مغلوطة لا حجة لها ولا برهان عليها، بل إن مواهب الله تعالى فياضة فى كل عصر وزمان، وجوده دائمًا ممنوح غير ممنوع، مشيرًا إلى ما كتبه السيوطى (1445/1505 م ) فى كتابه «الرد على من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد فى كل عصر فرض»، وإلى ما ورد فى الباب الرابع عشر من هذا الكتاب عن «وسيلة المجددين»، وحذر من أن الساحة الثقافية آنذاك لا تزال تتوجه إلى القشور، تاركة الجوهر واللباب، وتخالف قائمة الأولويات حتى صارت راية هذه القائمة منكسة بعد أن انقلبت إلى نقيض ما يفرضه العقل والظروف من تقديم الأهم على المهم ناهيك عن غير المهم، والاهتمام باللب لا بالقشور. داعيًا مكتبة الإسكندرية للقيام بدور فعال لانطلاقة موفقة فى مجال التجديد، تملأ الفجوة التى صارت بين الإسلام والعصر، وبين الفكر الإسلامى وحضارات العصر المختلفة.

www. ragai2009.com

[email protected]