الإمام الطيب والقول الطيب
(5)
يقف فضيلة الإمام الأكبر ليبدى ملاحظاته التى تشخّص، وتبصّر بكيفيّة التغلب جزئيًّا على هذه المشكلة، مقدمًا لذلك بالآتى:
(1) أن المنهج الوسطى للعقول فى دراسة العقيدة هو منهج الأزهر.
(2) أن الأزهر بذل جهودًا كبيرة للمحافظة على هذا المذهب الوسطى، ولكنْ للأسف بدأت هذه الجهود تتآكل بتأثير عاملين:
الأول. الاعتماد فى الدراسة على المذكرات مع قلة المعروض من نصوص التراث.
الثانى. رواج المنهج الآخر الأحادى النظرة والاتجاه، فى دراسة العقيدة، وتبنيه مقولات بعض المذاهب فى دراسة العقيدة وتقديمها على أنها الحق الذى لا حق سواه، ومن ثم رفض كل ما يخالفه.
(3) تبنى بعض الجامعات الإسلامية ذات النفوذ المادى لذلك المذهب الأحادى النظرة والاتجاه، وترويج ثماره المذهبية فى العالم العربى والإسلامى.
(4) أدى كل ذلك إلى تراجع فى المنهج الوسطى، تزامن معه اطراد للمنهج المتشدد.
لا شك أن الحل هو إحياء ودعم المنهج الوسطى فى دراسة العقيدة، وتأصيله، وتطعيم المناهج الأخرى به.
ولذلك يقترح الدكتور الطيب الخطوات الآتية لوصول المطلوب إلى غايته:
الأولى. تكثيف جرعات النصوص الأشعرية والماتريدية والسلفية المعتدلة فى جامعة الأزهر أولا، وأيضّا فى كليات أصول الدين وأقسام العقيدة بكليات الدراسات الإسلامية، وكليات الدعوة على وجه الخصوص.
والثانية. تدرس موضوعات العقيدة بصورة مختصرة فى الكليات العملية بالجامعات الإسلامية، ضمن مادة الثقافة الإسلامية انطلاقًا من القرآن والسنة، مع الابتعاد عن القضايا الخلافية التى تتطلب مستوى خاصًّا من العمق الأكاديمى، وتقتصر مباحث الألوهية التى يجرى تدريسها على فكرة عامة عن الصفات الإلهية وعن القضاء والقدر، مع التركيز على بيان سلبيات التواكل الذى يختلف كل الاختلاف عن التوكل المحمود، ونقد المذهب الجبرى انطلاقًا من القرآن.
وفى مباحث النبوة، يتم التركيز على توضيح مفهوم النبوة وصفات الأنبياء، وحاجة الإنسانية للرسالات والنبوات التى ختمت بالإسلام، والفرق بين النبوات وبين النظم الإصلاحية والفلسفية والاجتماعية والقانونية.
وفى مباحث السمعيات، تدرس باختصار: الملائكة الجن، مع التركيز على مقاومة الظواهر السلبية المعاصرة التى تنظر إلى عالم الجن كأنه المدبر لشئون حياتنا، وحتى صار مشجبًا تعلق عليه كل اخفاقاتنا وخيبتنا وفشلنا فى القيام بواجبنا، ومن المؤسف أن هذه الظواهر السلبية أخذت تتزايد فى السنوات الأخيرة.
والثالثة: لا مفر بالنسبة لكليات أصول الدين والدعوة، من عرض علمى أمين ونزيه لأشهر المذاهب الإسلامية التى ارتبط بها التاريخ الفكرى لعلم العقيدة، وهى الأشاعرة، والماتريدية، والمعتزلة، جنبًا إلى جنب مع السلفية المعتدلة، وتدريب الطلاب على أن هذه المذاهب قد تشكلت وصيغت فى إطار الإسلام: عقيدة، وشريعة، وأخلاقًا، وأن المدرسة السلفية ليست وحدها المتحدث الرسمى باسم الإسلام.
يأمل الإمام الأكبر الدكتور الطيب أن يساعد تطبيق هذا المنهج على خلق ذهنية متوازنة غير متشنجة ولا رافضة للآخر، ولا تتهم المخالف بالكفر أو الفسق، أو فساد العقيدة، أو تدعو لبطلان الصلاة خلفه.
هذا فيما يرى كفيل بإعادة التوازن الذهنى إلى جيل الطلاب الدارسين.
www. ragai2009.com