الشريعة الإسلامية
(1)
يتردد فى كلمات عامة الناس، كلمات الإسلام، والدين، والشريعة، والفقه. وكثيرون لا يعرفون أن هذه الكلمات ليست مترادفات، فالإسلام والدين ــ مثلاً ــ تعبير ينصرف إلى ما أنزله الله، انصرافًا موضوعيًّا، كل شىء فيه مردودٌ إلى مصدره، قد يفسر ما يستعصى معرفته من كلمات فى القرآن أو السنة النبوية، ولكنه فى كل ذلك مرتبط «بالدين» الذى أنزله الله، قرآنه الكريم، وسنة الرسول الذى نقله إلى الناس.
أما الفقه، فهو عمل بشرى، أى نظر هذا وذاك من أهل الذكر والفقه، فى المعنى المراد فى الآيات القرآنية، أو السنة النبوية.. فالفقه اجتهاد «بشرى» فى استنباط القواعد والأحكام من مصادرها فى القرآن والسنة.
باختصار: الدين إلهى، والفقه بشرى.
أما الشريعة، فيراد بها كل ما شرعه الله تعالى للمسلمين من دين، فى القرآن، وفى السنة، ولذلك فإنها تشمل أصول الدين، وما يتعلق فيه بالله عز وجل وبصفاته، وما يتعلق بالدار الآخرة، وغير ذلك من قواعد ومبادئ وأحكام استخلصها العلماء من بحوثهم فى التوحيد، وفيما كان يسمى علم الكلام.
وهى إلى جانب ذلك، تشمل ما يتصل بتهذيب الإنسان نفسه، وأهله بعامة.. والمعاملات فى إطار ما يتعين ان تكون عليه العلاقات الاجتماعية، فالدين المعاملة، وهذه المعاملة ـ ومن ثم الشريعة ــ تبين ما هو المثل الأعلى الذى يجب على الإنسان أن يسعى لبلوغه، أو مقاربته وما هى السبل التى يستطيع بها أن يصل إلى هذا المثل، أو قل الغاية من الحياة. ويمكنك أن تطلق على هذا علم الأخلاق، وهو باب واسع من أبواب الشريعة.
الشريعة تشمل إذن أحكام الله تعالى لكل أعمالنا.. الحلال، والحرام، والمكروة، والمندوب إليه (أى المفضل المدعو إليه)، والمباح.. «الفقه» فى هذه الشريعة مرادف لكلمة «القانون» بلغة العصر، وفيها أيضًا بيان الحدود المحددة للمكلفين فى اعتقاداتهم، وفى أفعالهم وأقوالهم.
وعلى ذلك فلإيراد بالشريعة الفقه وحده، وإنما هى تحمل الدين والفقه، أو قل إنها الدستور الذى يجمع بين الدين والفقه، والكلمة معروفة بمشتقاتها من قبل النزول، ونراها فى أكثر من موضع بالقرآن، كقوله عز وجل لنبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام : «ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ » (الجاثية 18).
على حين أن كلمة «الفقه» لم تعرف سلفًا فى لغة العرب، ولم تعرف فى معناها الذى تعنيه اليوم إلاَّ بعد مضى صدر الإسلام.
الفقه فيما اصطلع عليه أهل العلم : معرفة أحكام الله تعالى فى أفعال المكلفين، بالوجوب، والحظر، والندب، والكراهة، والإباحة، وهى متلقاه من القرآن الكريم والسنة النبوية، وما نصبه الشارع الإلهى لمعرفته من الأدلة، فإذا استخرجت الأحكام من تلك الأدلة، كان ذلك هو «الفقه». وكان هؤلاء الفقهاء يعرفون فى فجر الإسلام «بالقراء» الذين تميزوا آنذاك عن غيرهم بقراءة القرآن ــ وصار استنباطهم للأحكام منه أشبه بالعلم والصناعة، فتبدل اسمهم إلى الفقهاء.
www. ragai2009.com