الوجود ؛ وغاية الحياة
الإنسان مشغول بفكره ووحدته عن الخطو إلى الحقيقة الكبرى القريبة منه. إنه ليس أحرى من بلايين سبقوه ومضوا دون أن يتفطنوا إلى سر الوجود وغاية الحياة، ولكن عليه أن يتمعن ويتأمل ليرى، فغدًا سوف تمضى حياته كما مضت حياة الغابرين، وهو لن يرى بعد رحيله شيئا، فليس فى وسع المصباح أن يـرى إطباق الظلام. من يريد أن يرى لابد أن يحيا ويبحث ويتأمل. إن الحىّ يبحث على عادته ـ مولد الأرض وأعمار الجبال، وهو مع ذلك لا ينفك يشكو قلقه من أن الكون يمضى لزوال!!
كم من محدق فى العلاقات فصله التحديق عن أسلاك الحياة وعن فهم مغزاها وحكمتها وغايتها، وكم من طفل فقد فى البحث والتحديق أباه ! كحال الذى يفقد طريقه إلى الله وهو يتساءل فـى تيهه : هل من ثم إله ؟ وفى البيت الأخير ينهى محمد عبد الله إبحاره ببيت مفعم بالرمز :
مات شَيْخِى لم أُفَتِّشْ قَلْبَهُ عاشَ فى قَلبى دُعَاه ورِضَاهْ
ويجب ألا ننسى أن عواطفنا ـــ حتى الآن ـــ تعيش أكثر ما تعيش على ميلنا الذى يكاد يكون فطريا إلى الإيمان المريح، وهو دائما مبنى على الاعتقادات ووجهات نظر دينية أو أخلاقية أو سياسية أو علمية أو اجتماعية أو أسرية.
المحقق أن من تمحضت إرادته لعبودية الله بمراعاة حقوقه لأجل ما وجب عليه من ذلك ليتوصل به إلى نيل حظها ـ هو الذى يسمى مريدًا.. فلم يتسم بذلك إلا لأنه يتصف بالإرادة الحقيقية المتعلقة بأشرف المطالب، وقد سُمى مريدًا لأجل ما سلب عنه من الإرادة المجازيـة المتعلقة بحظوظه.
وبهذا يتبين لك صحة كلام أبى يزيد البسطامى حيث قيل له ما تريد؟. فقال أريد أن لا أريد.
قال فى التنوير : أراد أبو يزيد أن لا يريد.. لأن الله تعالى اختار له وللعباد أجمع عدم الإرادة معه.. فهو فى إرادته أن لا يريد موافق لإرادة الله جل وعلا.
فأنت مطالب أن تخرج عن تدبيرك لنفسك واختيارك لها.
وفى الحديث القدسى: «فإذا أحببته كنت سمعه الـذى يسمع به، وبصره الذى يبصر به، ويده التى يبطش بها، ورجله التـى يمشى عليها » ـ فيه إشارة إلى أنه عند ذلك ليس للعبد إرادة ولا اختيار.. إلاّ ما اختاره له مولاه وأراده.
قال ابن عطاء الله السكندرى: «أنت إلى حلمه إذا أطعته، أحوج منك إلى حلمه إن عصيته».
العبد مضطر إلى الله أبداً.. ولا يزايل العبد هـذا الاضطرار.. لا فى الدنيا ولا فى الآخرة.. ولو دخل الجنة فهو محتاج إلى الله فيها.
وهذا هو حكم الحقائق.. إذ لا يختلف حكمها لا فى الغيب ولا فى الشهادة.. لا فى الدنيا ولا فى الآخرة.. فالعلم صفة الكشف، أى علم كان فى أى وقت كان.. والإرادة صفتها التخصيص، أى إرادة كانت فى أى وقت كان.. ومن اتسعت أنواره لم يتوقف اضطراره.
ولما لم تصل عقول العوام إلى ما تعطيه حقائق وجوداتهم، سلط الحق الأسباب المثيرة للاضطرار ليعرف (العبد) قهر ربوبيته وعظمة إلهيته.
عمل الإنسان مراتب، خواطر وأفكار توجب تصورات، والتصورات تدعو إلى الإرادات، والإرادات تفضى إلى الأفعال. فصلاح هذه المراتب أو فسادها رهين بصلاح الخواطر والأفكار أو فسادها.
www. ragai2009.com