الآدمى والغرائز والحياة
احتياج الحـى إلـى مـا يقيم أوده عـن طريق محيطه أو المحيطيـن به، واحتياجـه إلى طرد بقايا ما بداخله، غريزة لم يبرأ من حكمها إنسان ما، لكنها عرضة للمبالغة أو القصور عمـا هو ملائم لحياة الحـى.. فيأخذ هذا الشرود صاحبه إلى ما فيه أذاه الذى يمرضه أو يقتله!.. هذا الشرود لم يسلم منه غالبية الناس فى جميع الأعمار، جاهلهم وعارفهم ومنذ الأزل، يرتبط هذا الشرود عند الآدميين ـ من طريق الاعتياد ـ بمنحنيات الغريزة الجنسية إيجابًا وسلبًا، ويستخدم غالبًا فى محاولة إيقاظ هذه الغريزة خاصة عند الكهول والشيوخ. ومعظم هذا الإيقاظ وهم يسرع بهم إلى الاعتلال أو الهلاك.. ولهفة الكهول والشيوخ إلى ذلك «الإيقاظ» من طريق الأكل والبلع والحقن مشهودة فى كل مجتمع وزمن، تساندها المصدقات والاعتقادات وحـرص المروجين لذلك « الإيقاظ » على الربح أو تلقى المدائح أو التشكرات عن المساعدة المبذولة أو المتبرع بها!
وغريزة حب المال، غريزة متأصلة فى النفس الإنسانية.. لم يخل أى آدمى فى أى زمان ـ إلا نادرًا جـدًا ـ مـن قـدر من الحرص على المال أو ما يقوم بالمال أو يمكن أن يقوم مقامه، وربما كان هذا أيضًا غريزيًا فى جنسنا قابلاً من هذه الجهة للتقوية ومنها إلى المغالاة التى يصعب الوقوف بها عند حد معقول ـ فيصبح المال بأنواعه وأشكاله وصوره، ورغبة تنميته بكل حيلة ووسيلة ـ سعارًا يشغل صاحبه فيصير همه الرئيسى الذى يصحو وينام عليه غارقًا فيه، وهذا شرود خطير الآثار والعواقب، لأنه يدفع بالشارد إلى الاندفاع فى المشاركات والمغامرات والمضاربات والجموحات، فيفقده العناية اللائقة والواجبة بترقية عقله ونفسه وذوقه وأهله ومن تتوثق صلتهم به، كما يعرضه للنكبات وأنواع الحسرات والدمار!!
ومعرفة البشر بأنفسهم وبالعالم الذى يعيشون فيه، ليست إلا تمثلاً بشريًا لواقع الآدمى فى هذه الدنيا كما يبدو مصادقًا لاقتناعه الداخلى، مع افتراض استمرار تغير هذا الواقع زمانًا ومكانًا، وهو تمثل يشمل دائمًا كل ما مع الآدمى من العموميات والمسميات والمفاهيم والتجارب والفروض والنظريات التى لا بد أن تتغير سريعًا أو وئيدًا مع تغير الأجيال والعصور.. فيه حذف وزيادة، وتعديل وتبديل، ومحسوس وغير محسوس، ومن المستحيل منعه لأنه وليد رغبات وميول جماعات بشرية قد يحركها أو يتسبب فيها جهود أفراد سرعان ما تتوارى جهودهم حين تستقر إلى غايتها وتعلن الجماعة عن رغباتها وميولها !
المؤمنون يشتركون فى الملّة جميعًا بالإيمان بها، ولكن لا يشتركون سواسية فى استبطانها واستيعابها لاختلاف أفهامهم وأذواقهم، ويستحيل على هؤلاء وأولئك الاشتراك فى غير العلم النسبى غير القابل للتعديل والتصحيح عبر الزمان والمكان.. «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إليهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإليكَ الْمَصِيرُ * لاَ يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعليهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا» (البقرة 285، 286).
اعبد ربك كأنك تراه، فإن لم تكن تراه، فإنه سبحانه وتعالى يراك.
www. ragai2009.com