الذكاء الإنسانى: الاستعداد والحصاد ! (3)
برغم اعتراف الناس فى كل عصر بالقناعة وضرورتها وإجلال التحلى بها كفضيلة غالية من فضائل الإنسان السوى العاقل.. إلاّ أن كثرتنا الكاثرة لا تتبعها فعلاً ولا تستهدى بها فى الحياة عملاً.. هذا لأننا فى الواقع أهل جشع فى الغالب الأغلب ، ومن جهة أخرى لأننا جميعاً أيقاظ وعلى قدر من التعقل.. نسىء الظن بالأيام.. حتى ونحن فى أوقات السعة والرخاء.. وقد جمعنا مع الأنانية احتياط المحتاط..
وهذان مألوفان مؤتلفان على الدوام ، ومن العسير أن يفترقا.. وهما غائـران إلى أعمق أعماق داخلنا ، وفيهما شىء كونى : إذ الأحياء التى نعرفها فى هذا الكون العظيم جداً ، مكلفةٌ من أصغر صغارها إلى أكبر كبارها بالسعى والبحث عن طعامها وما يسترها فيما حولها ، وهى تجده غالباً ولكن أحيانا قد لا تجده ، فيقتلها الجوع والافتقار إلى ساتر ، وداخل حتما فى هذا الشىء الكونى احتمال أن يأكل الأحياء بعضهم بعضاً من نفس الجنس أو من أجناس أخرى حيواناً ونباتاً.. يضمن بذلك قوته ليضمن بقاءه المحدود ونماءه ، وقد يحتل مأواه أو يتدثر بجلده أو أن يستغل نتاجه وإدراره أو يستخدمه فى مصلحة مقابل أكله وما أدّاه فى حدود ما يتصور من إمكان ذلك.. وهذا يصفه أهل العلم الوضعى بكفاح الأحياء من أجل البقاء ، وهو كفاح مشهود فى كل لحظة سواء فى عالم البشر أو فى عالم الحيوان والنبات.. وهو كـفاح كونى لـم تنجـح الأديان ولا فضائل وأخلاق الإنسان منذ كان إلى اليوم فى وقفه فضلاً عن اقتلاعه !!
كل ما أمام الآدميين هو فرص تلطيف وتهذيب عناء وشقوة هذا الكفاح الذى تموج به الحياة فى حدود الفرص المتاحة على هذه الأرض للعيش المعقول للجميع دون اقتتال. وربما تغير الحال وانفك هذا القيد الكونى إذا استطاع الذكاء والصبر والفهم والعلم والإتقان ـ إنقاذ الأحياء من المحدودية التى يفرضها عليهم اقتصار حياتهم على الاعتماد على هذه الأرض بيابسها ومائها وجوها دون الاستفادة بالفرص التى ليست بها.. يحدث ذلك إذا تم الاتصال المثمر الذى ليس له آخر بثروات وقوى وطاقـات الكـون الخارجى الذى لا يعرف البشر مدًى لآخره ، علما بأنه كلما ازداد البشر عددا ازدادت مشاكلهم ومشاكل الأحياء الأخرى ، وزاد على البيئة المتاحة فى هذا الكوكب الأرضى عبء مواجهة حاجات ومطالب الحياة والأحياء عليها بما يتفق مع العقل ويليق بالدين والإنسانية.
من حقنا بالصبر والفهم والاجتهاد والتكاتف أن نأمل فى مزيد من فرص الرخاء والإسعاد والسلام لنا ولعالم الأحياء معنا. ولكن هذه الفرص يقابلها حائط المحدودية الحالى ، كما يقابلها حائط القلق والتردد والقصور والتفوق والتفكك البشرى.. وهذا الحائط لا يقل عن حائط المحدودية صلابة وصعوبة تناول ما يصادفه من كثرة عراقيل ومزالق ومساقط والتواءات ماضية وحاضرة ومستقبلة.. هذه الصعوبات الكثيفة ، لدى ما لا حصر له من البشر ، سواء من كانوا وتركوا ما تركوا ، أو الأحياء الغرقى فى حاضرهم وسابقهم وآتيهم.. يجمعون عطايا المستقبل وهم مثقلون بأعباء حملها لهم آباؤهـم وأجدادهم !.. وعليهم أن يحملوها الآن إلى عالم جديد يفتح فعلا وواقعا أمام البشر.. يربطه البشر بالأرض ويربط الأرض به.. عالم قريب ويوشك أن يتحقق إذا ظل التقدم العلمى والتقنى على قوتـه الحالية وتركيزه واقتـداره وانتشاره.
ثم إن كثرتنا ـ مع لغطها الذى لا ينقطع ـ لا تحتضن من واقعنا الحاضر إلا نتفاً فردية متناثرة عشوائية الخيوط تجمعها هنا وهناك مما تسمع أو تقرأ ، كما لا تحتضن مستقبلنا إلا من بُعدٍ بعيد مبهم إجمالى ثمرة رؤية مشوشة منقولة وقليلة الاكتراث نهضت على أكتاف الشائعات والأقاويل والمخاوف وأمارات التفاؤل واليأس المختلطة المتضاربة !!
www. ragai2009.com
[email protected]