من أرشيف الذكريات (159)

1:12 م, الأحد, 29 مارس 15

جريدة المال

المال - خاص

1:12 م, الأحد, 29 مارس 15

 رصد حافظ إسماعيل أن الولايات المتحدة نجحت فى جعل الحلفاء الآخرين يوافقون على عودة ألمانيا تدريجيا «للسيادة»، بينما كانت قد نجحت «بخطة مارشال» فى أن تفرض على حكومات الغرب اتباع اقتصاد حر، وصار التعاون الاقتصادى هو أسلوب الاندماج الأوروبى، متضمنا أنظمة سياسة متتالية فى «بون»، وذلك لاستبعاد القلق من «ثقل» الدور المتعاظم مستقبلا لألمانيا التى تسببت طموحاتها فى حربين عالميتين !

 

وكان ثمن هذه الخطة استمرار الاعتماد على القيادة الأمريكية، فلم تنشغل ألمانيا الغربية بالبحث عن سياسة خارجية، واعتمدت على تتبع سياسة أمريكا الخارجية، ولم تطور دول أوروبا الغربية سياسة خارجية مستقلة لتصير «قوة عالمية».

 

وتابعت واشنطن إستراتيجية مستقرة بالنسبة لدور ألمانيا، فكانت المفاوضات 1990 لإعادة ألمانيا الموحدة، تحمل معنًى سياسيًا بسيطًا، واضطلعت الولايات المتحدة بإذابة رفض الدول الأوروبية، بل وتردد «بون» ذاتها.

 

ويبدو أنه فات الالتفات إلى أن أمريكا عملت دائما على تحقيق مصالحها فى أوروبا، أكثر من العناية بتوازن القوى بين الدول الأوروبية، أو حتى بين الأوروبيين والسوفييت- كان الخطر الأساسى الذى يشغل أو يقلق أمريكا، هو أن يخرج السلاح النووى السوفييتى عن السيطرة- فالاتحاد السوفييتى كان هو الدولة الوحيدة التى تملك القدرة على تدمير أمريكا نوويا.

 

كما كانت أمريكا مهتمة- فيما أشار حافظ إسماعيل- بأن لا يقع شاطئ أوروبا الغربى المقابل لشاطئها الشرقى تحت سيطرة أعدائها، وهذا هو الذى يفسر اقتراح واشنطن توسيع دور منظمة حلف الأطلنطى، وقيامها بفتح التحالف لمشاركة دول أوروبا الوسطى والشرقية، وهو الباب الذى ظل مغلقا فى وجه روسيا.

 

ويتنبأ حافظ بأنه بأسرع مما يتصور غالب الأوروبيين، سوف يصير التزام أمريكا بالدفاع عن أوروبا شيئا من الماضى، وقد يغرى أمريكا بهذا الانسلاخ اعتيادها فترة العزلة الطويلة على الاطمئنان إلى أن الأمريكيين يعيشون آمنين فى أكبر جزيرة تحميها ثلاث محيطات. وجدير بالذكر أن حافظ إسماعيل كتب ذلك سنة 1994، قبل سبع سنوات من ضرب برجى التجارة العالميين بداخل الولايات المتحدة فى سبتمبر 2001.

 

ويعقب حافظ بأن الولايات المتحدة عليها أن تواجه حقائق الحياة الدولية غير المرضية، وأن تنتبه إلى أن بناء قوة أمريكا فى الداخل فى رئاسة كلينتون تخفى عنها الحاجة إلى قوة أمريكا عالميا، فبدون قيادتها لن يكون هناك «غرب» فيما يبدو للتعامل مع القضايا الاستراتيجية.

 

فإذا كان على الأمريكيين مواجهة ما يتطلبه النظام العالمى، فإن الأوروبيين عليهم أيضا مواجهة حقائق مؤلمة.. فلم يعد كافيا للحكومات الأوروبية أن تسوس التنفيذ السياسى للحماية الأمريكية، وأن تخلد إلى «الدور المريح» الذى اعتاده بعض الزعماء الأوروبيين، وعليهم اليوم- والحديث كان فى يونيو -1994 أن يواجهوا القرارات الصعبة حول مصيرهم بأكثر مما عبرت عنه اتفاقية ماستريخت.

 

هناك سؤال صادم «من يحمى أوروبا ضد الشياطين» إذا انتهت المعقولية ؟ ولا ينصرف ذلك الهاجس- فقط- إلى يوغوسلافيا ( السابقة )، وإنما ينصرف، وبدرجة أكبر خطورة، إلى وسط أوروبا حيث الدول الشيوعية السابقة.

 

ففى منطقة وسط وشرق أوروبا والتى يتم تجاهلها فى مجال الأمن فراغ خطير.. فمن الموقف المرير فى البلطيق، إلى عدم الثقة فى أوكرانيا، تنزلق المنطقة إلى خارج السيطرة، وأن الخطر يبدو فيما تطالب به روسيا من حق استخدامها لقواتها للتدخل فيما تطلق عليه «الخارج القريب».. خاصة الجمهورية الجنوبية منها، وها هى أحداث 2014 فى أوكرانيا تصادق ما أبداه وتنبأ به حافظ إسماعيل سنة 1994.

 

أشار حافظ فى مقاله عن مفتاح استقرار أوروبا، إلى ما ورد فى دراسة أمريكية أخيرة، من أن ألمانيا هى أكبر مستفيد من الحرب الباردة، وقد تصبح أكبر خاسر أو مضرور إذا اكتسح القارة عدم الاستقرار.. ويبدو أنه على ألمانيا أن تجد رؤية جديدة وسط آلامها المتزايدة، وأن تجد ما يحل محل القوة النووية، وسط «العادة» أن تدفع تعويضات عن الماضى وما تسببت فيه النازية، وأن تقدم نفقات المستقبل.

 

إن دبلوماسية ألمانيا، لم تكن انعكاسات يفرضها احترام المصالح الخاصة لحلفائها بعد الحرب العالمية الثانية، أو خيار القوة النووية لبريطانيا وفرنسا وجيش برى يمثل الخط الأمامى لحلف الأطلنطى.

 

وهذا الموقف من تاريخ وجغرافية ألمانيا لم يتغير.. فمساحة ألمانيا وثقلها الجديد، يفرض حاجتها القصوى لوجود الولايات المتحدة فى أوروبا لتحقيق التوازن قرب روسيا، ولطمأنة كل المعنيين عن وضع قوات ألمانية على حدودها الشرقية، ولذلك فإنه من بين الدول الأوروبية، تبدو ألمانيا أكثرها حاجة إلى تحالف جديد مع الولايات المتحدة عن طريق حلف شمال الأطلنطى.. وكلما طال تجاهل هذه الحاجة على جانبى الأطلنطى، صار القلق غير ممكن تجنبه.

 

(يتبع)

جريدة المال

المال - خاص

1:12 م, الأحد, 29 مارس 15