من أرشيف الذكريات ( 152)

رجائى عطية

11:30 ص, الأحد, 8 فبراير 15

رجائى عطية

رجائى عطية

11:30 ص, الأحد, 8 فبراير 15

رجائى عطية

تناولت دراسة حافظ إسماعيل، فيما رأينا، التحولات الجوهرية التى طرأت على الساحة الأمريكية، وكيف لم يعد للأمريكيين الرغبة الحقيقة أو القدرة العسكرية والمالية، للاستمرار فى أداء دور «شرطى العالم». وترجم عن ذلك خفض الإنفاق على القوات التقليدية، وتخلى الولايات المتحدة عن مبادرة الدفاع الإستراتيجى.

وتناولت التحولات الكبرى التى طرأت على روسيا بعد فك أو تفكك أو تفكيك الإتحاد السوفييتى، وكيف صارت الفيدرالية الروسية عرضة للانهيار، مثلما حدث للإمبراطورية السوفييتية التى كانت ملء السمع والبصر، وكيف صارت روسيا تعانى اليوم من مشكلات مستعصية تستنفد قواها واهتمامها وربما لا تترك لها مساحة للإسهام الفاعل فى مجريات العالم مع هذه التحولات الكبرى.

ثم يستأنف حافظ إسماعيل دراسته، ليقدم الضلع الثالث من أضلاع الرباعى المرشح للتأثير على مجريات الأحداث مع تشكل معالم العالم الجديد.

ثالثا- أوروبا

تتزايد الضغوط الأمريكية كيما يتماسك التحالف الغربى ويبقى وحدة واحدة تلعب الولايات المتحدة فيها دور القائد، وهو ما يجنب وقوع «صدام تجارى» بين أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية، بعد أن زالت دوافع الأمن بانهيار الإتحاد السوفييتى.

منذ أوائل الستينات، كانت أوروبا ـ أو بعضها ـ تتطلع إلى مكان يتوازن مع دور أمريكا فى حلف الأطلنطى، ولما قوبل بالرفض الأمريكى ـ سعى ديجول لتلعب بلاده دورًا كقوة كبرى، انسحبت فرنسا من القيادة العسكرية للحلف، وإن بقيت عضوا فيه.

وبعد ديجول، عادت فرنسا عام -1993 لتدعو إلى تحقيق التوازن بين أوروبا وأمريكا فى حلف شمال الاطلنطى انطلاقا من كون التهديدات فى أوربا لم تختف.. وإن اختلفت طبيعتها.. طارحة أن إقامة حاجز عداءات بين الحضارات يتناقض تماما مع المصالح الإستراتيجية لأوروبا.. فالوقت الحالى وقت الندرة لا الوفرة، مما يحتم تبادل المنافع بين التكتلات الاقتصادية التى تجمع بين «الهوية الثقافية» الواحدة، والمصالح الواحدة أو المتقاربة.

وقد كان قيام الجماعة الأوروبية وتوصلها إلى اتفاقية «ماستريخت»، ثم قيام الولايات المتحدة ببناء «منظمة التجارة الحرة لأمريكا الشمالية» بعد أن عجزت عن التوصل إلى وفاق مع أوروبا فى إطار «جولة أوروجواى» لعقد اتفاقيات «الجات» التى تترجم أيضا مصالح الولايات المتحدة الثقافية، والتى تعد فى أوسع معانيها «سلعة» للتصدير، توفر لها 300 مليار دولار سنويا.. كان هذا وذاك داعيا أن يحذر كلينتون من أن إنتاج أمريكا المرئى صار هدفا للتحديد، وأن فرنسا تقود معركة أوروبا للحصول على «استبعاد ثقافى» ومن ثم للنفوذ الأمريكى فى القارة  الأوروبية.

فإذا كان قد أمكن التوصل – فيما أبدى حافظ إسماعيل- إلى حل وسط قبل 15 ديسمبر 1993 لتفادى التعطيل الذى ينشأ عن سحب الكونجرس للمشروع الأمريكى، إلاَّ أنه كان هناك موضوع ثان تختلف فيه وجهة نظر أمريكا عن أوروبا، وهو علاقة حلف الأطلنطى بدول شرق ووسط أوروبا.

أخذت أمريكا فى الاعتبار عدم إزعاج يلتسين ووزير خارجيته كوزيريف اللذين يعارضان فتح حلف الأطلنطى أمام دول شرق أوروبا ووسطها، ولذلك عرضت الولايات المتحدة تعاون الحلف مع دول شرق أوروبا بما فى ذلك روسيا، من أجل عمليات حفظ السلام.

وبينما تأمل فرنسا المحافظة على مظلة الحلف الحالى، إلاَّ أنها وبريطانيا تعارضان انضمام روسيا للحلف.. فذلك يعنى فى نظرهما انهيار النظام الدفاعى الذى يستهدفه الحلف.

هذا واعتبرت الديمقراطيات الجديدة التى أخذت تدعى قيما غربية واستعدادا للدفاع عنها- اعتبرت أن رفض انضمامها للحلف غير مفهوم،لأنه يتركها- فيما عدا بولندا التى ارتضت روسيا إنضامها للحلف ـ يتركها بلا حماية وعلى مقربة من دول غير مستقرة، ومنها روسيا.

على أن أمريكا وبريطانيا لا تستبعدان أن تكون لدول شرق ووسط أوروبا علاقة بدول حلف الأطلنطى، وإن لم تفصحا صراحة عن موقفهما. أما ألمانيا فترغب فى إصدار بيان- سياسى على الأقل- بنوايا إندماج بولندا والمجر والتشيك، مع ضرورة التعامل مع روسيا لدعم استقرار الإتحاد واستقرار ألمانيا ذاتها.

ويفضل البريطانيون- فيما عرض حافظ إسماعيل- إتباع نظام دعوة روسيا كمراقب فى مجموعة الدول الصناعية السبع، وبذلك يمكن تجنب تقسيم أوروبا من جديد، ويصبح النظام بمثابة «صفقة» عامة لربط روسيا بالغرب.. ويمكن أن يقوم «مجلس تعاون» حلف الأطلنطى بمهام تبادل الخبرات حول الأمن والدفاع وغيرهما.

على أن المشاركة لاتعنى الغموض فى العلاقة كما يقول حافظ إسماعيل، ومن ثم فإذا كان هدف الخطة مقاومة معارضة روسيا لتوسيع حلف الأطلنطى بإضافة ست دول من وسط أوروبا إليه، إلاَّ أن عدم إضافة روسيا يفترض ألاَّ يعكس رغبة فى عزلها فى الوقت الذى تسعى فيه روسيا لإذابة هذه العزلة.

وفى الوقت الذى يعمل فيه الغرب على إبلاغ روسيا بأن توسيع حلف الأطلنطى فى مصلحتها، وليس بهدف إنشاء «حزام صحى» بينهما، فإن مانفريد ويزر ـ سكرتير الجماعة الأوروبية، صرح بأن الحلف قد تغير أكثر من أى مؤسسة فى السنوات الأخيرة، وأن توسيعه سوف يزيد من استقرار أوروبا.

أما دول وارسو، فقد أعربت عن استيائها لعدم قبولها أعضاء فى منظمة حلف الأطلنطى، وهو ما سوف ينظر فيه الغربيون فى يناير الجارى (1994) تحت عنوان «المشاركة فى  السلام» وبمفهوم أنه سوف يكون لدول شرق ووسط أوروبا الحق فى التشاور فى الأزمات، وأن هذه الروابط سوف تدعم مهام حفظ السلام وإدارة الأزمات، وأيضا المهام الإنسانية.

فى الوقت الذى شكلت فيه 38 دولة، تجمعًا بين أعضاء حلف الأطلنطى وشرق ووسط أوروبا، والجمهوريات السوفيتية السابقة-  تحت مسمى «مجلس التعاون لدول شمال الأطلنطى»، مع القبول بامتداده شرقا.

هذا وسوف تجتمع قمة الحلف فى 20 يناير الحالى ( 1994)  فى بروكسل، حول المسائل الآتية : 

أ  ـ  تأكيد صلاحية الحلف كأداة دفاع مشترك فى عالم غير مستقر.
ب ـ  الاعتراف بهوية أوروبية للدفاع والوسائل التى يضعونها تحت تصرف المنظمة لتحقيق ذلك.
ج ـ  الاعتراف بالمهام الجديدة للحلف وخطط السلام.
د ـ  شن عقيدة «المشاركة من أجل السلام» المفتوحة للدول السوفيتية السابقة بما فيها روسيا، ودول إتحاد أوروبا.

(يتبع) 

رجائى عطية

رجائى عطية

11:30 ص, الأحد, 8 فبراير 15