أصبحت المنافسة التي تواجهها المنظمات حقيقة واقعة في الآونة الأخيرة بفضـل العديد من التغيرات التي شهدتها في بيئاتها علـى الصـعيدين الـداخلي والخـارجي وعلـى المستويين المحلي والعالمي، وقد بدأت المنظمات تعي هذه المنافسة وتلمس زيادة حدتها، فضـلا عن ظهور العديد من المنافسين الجدد، ما دفعها للبحث عن إستراتيجيات وسياسات متعـددة تستطيع من خلالها أن تحقق ميزة تنافسية لها وأن تستمر بها.
وفي ضوء محدودية الموارد وضغوط المـواطنين وطلبـاتهم المتزايـدة ومسـاءلتهم المستمرة، اتجهت المنظمات للاهتمام بمواردها البشرية كأساس لتحقيق الميزة التنافسـية لهـا، إضافة للعديد من المزايا التي تتحقق من خلال الاعتماد على هذه المـوارد كمصـدر للميـزة التنافسية، حيث تتمتع الموارد البشرية في المنظمات بمجموعة من الخصائص، كالفن والقيمة وأن تكون صعبة التقليد والاستبدال، لكي تشكل موردا إستراتيجيا يلعب دورا مهما في تحقيق الميزة التنافسية للمنظمات العامة، من خلال إدارة هذه الموارد بالمنظور الإستراتيجي، ولقد ناقش العديد من الباحثين أهمية إدارة الموارد البشرية لتحقيق النجاح التنظيمـي، وضرورة أن يكون العاملون مصدرا للتنافسية والقوة، وأهميـة إدراك علاقـة إدارة المـوارد البشرية بتحقيق التميز ونجاح المنظمة بشكل مستمر.
ويشير الواقع العملي إلى أن المنظمـات التي تدير موردها البشري بفاعلية تحقق معدلات ربحية عالية وتحقق إنتاجية وقيمـة سوقية عاليتين، ولذلك تحقق حاجاتها وحاجات الملاك والعملاء والعاملين وحاجات المجتمع، وفي ظل اقتصاد العولمة لا بد أن يتم دمج ممارسات ونظم إدارة المـوارد البشـرية فـي تنافسـية المنظمة وزيادة الإنتاجية، حيث تعني التنافسية في هذا السوق القدرة على تحقيق وضع متميزا بثبات في الظروف المتغيرة، ولتحقيق هذا الربط بين إدارة الموارد البشرية ونجاح المنظمة لا بـد أن يصـبح دور إدارة الموارد البشرية إستراتيجيا وأن يتحدد وضع الموارد البشرية بما يتفـق مـع الحاجـات الإستراتيجية للمنظمة (وتنمية أقساط شركات قطاع التأمين وأرباحها على سبيل المثال)
والجراف التالي يبين مؤشرات أقساط نشاط قطاع التأمين في العام المالي 2022/2023، وفق بيانات هيئة الرقابة المالية:
التكامل الإستراتيجي للموارد البشرية
وفي دراسة سعيد سمير أبو جليدة، بينت أن مفهـوم التكامـل الاستــراتيجي للمـوارد البشـرية وجـد كثيــرا من الاهتمام في الفكر الإداري الغربي، لكنـه لـم ينـل نصيبـه الوافـي مـن البحـث والدراسـة علـى المسـتوى الأكاديمـي العربـي، مـن حيـث الطـرح والتصـور.
وتعني اتخاذ القرارات بشأن اتجاه المنظمة في المستقبل وكيفية تنفيذ هـذه القـرارات، حيث تشتمل الإدارة الإستراتيجية على مرحلتين أساسيتين، أولاهما التخطيط الإستراتيجي، وهو العمود الفقري للإدارة الإستراتيجية، وثانيهما تنفيذ الإستراتيجية، ما يعني أنها فن وعلم لتشكيل وتنفيذ وتقييم القرارات الوظيفية والمتداخلة والتي تمكن المنظمة من تحقيق أهدافها.
وقد أصبحت وظيفة إدارة الموارد البشرية من أهم الوظائف المسئولة عن تحقيق المراكز التنافسية على المستويين المحلي والقطاعي، وضمان النمو والتوسع والإبداع وخدمة العملاء، فخلف نجاح كل منظمة ناجحة تقف إدارة موارد البشرية ناجحة في برامجها، سواء كانت هذه البرامج اختيار الأفراد أو تدريبهم أو تقويم أداءهم أو من خلال برامج جيدة للمكافآت والحوافز، ومن هذا المنطلق بدأت إدارة الموارد البشرية بالتحول من كونها وظيفة معنية بشئون متخصصة للأفراد العاملين وظيفتها تقديم الاستشارات في هذا المجال إلى إدارة تنفيذية لها دور كبير وشامل في عموم المنظمة من خلال التخطيط الإستراتيجي للموارد البشرية، إذ أصبح مدير الموارد البشرية أحد أعضاء الذين يعنون بصياغة إستراتيجية إدارة الموارد البشرية.
وأدت التطورات الحديثة إلى تأكيـد أهميـة عنصـر الموارد البشرية باعتباره “ميزة تنافسية كبـرى”، فلـم تعـد النظرة إلى الموارد البشرية أنها مجرد مصدر تكلفة يمكـن التخلص منها إذا ما دعت الحاجة، بل هي اسـتثمار طويـل الأجل يحقق الأهداف الإستراتيجية للمنظمة، ولقـد ظهـرت العديد من المفاهيم الإدارية الحديثة التي ساعدت على تأكيـد أهمية الموارد البشرية، منها على سبيل المثال، مفهـوم إدارة المعرفة، ومفاهيم الجودة والتميـز فـي الأداء، والعولمـة، ونظرا لأهمية هذا المدخل فـي فهـم وتوضـيح دور إدارة الموارد البشرية.
وللاطلاع على الدراسة كاملة من هنا:
إستراتيجية إدارة الموارد البشرية وتنافسية الشركات
وبينت دراسة مانع سبرينة، أن استمرار نجاح المنظمات يعتمد على قدراتها في خلق مزايا تنافسية صعبة التقليد من قبل المنافسين، ومن هذه المصادر امتلاكها الموارد المادية والتكنولوجية والمعدات، والتي قد تكون من السهل تقليدها من الآخرين، ولكن عندما تمتلك المنظمة موارد بشرية فعالة وناجحة، يكون من الصعب على المنافسين تقليدها، فالمنتجات والتكنولوجيا وحماية الأسواق، كلها يمكن أن تحقق التنافس، ولكن الموارد البشرية تعمل على تحقيق استدامتها، ومن ثم تمثل الموارد البشرية موردا إستراتيجيا مهما من موارد المنظمة يحدد فرص البقاء والنجاح والنمو لها، وإدارة الموارد البشرية يمكن أن تساهم في خلق ميزة تنافسية مستدامة من خلال تطوير الكفاءات البشرية في المنظمات، مع إقامة الصلة بين الأهداف العامة للإستراتيجية الأعمال وإستراتيجية الموارد البشرية وتنفيذها.
ولا بد من الوصول إلى أفضل السبل الكفيلة في النهوض بإستراتيجيات إدارة الموارد البشرية واستثمارها باتجاه تعزيز النجاح الإستراتيجي، للوصول إلى أفضل السبل لتحقيق نتائج من شأنها رفع مستوى أداء مؤسسات الأعمال، ويمكنها من مواجهة التحديات في المستقبل القريب.
ومن ثم لا بد من الاهتمام بالمورد البشري باعتباره أحد الأركان الرئيسة في قيادة المؤسسة نحو النجاح الإستراتيجي، وزيادة وتوسيع الاهتمام بإستراتيجيات إدارة الموارد البشرية، وإعطاءها بعدا في الإدارة العليا، وتشكيل فرق عمل مهمتها تحليل وصياغة وتنفيذ وتقويم إستراتيجيات إدارة الموارد البشرية في مؤسسات الأعمال، والقطاعات التابعة لها.
ولا بد كذلك من تفعيل إستراتيجية تحليل الوظيفة على كافة الوظائف في مؤسسات الأعمال التابعة لها وتحديد المواصفات وواجبات الوظيفة والشروط الواجب توفرها في شاغل الوظيفة، ووضع مجموعة من الإجراءات والمقابلات قبل اختيار شاغل الوظيفة بالاعتماد على نتائج تحليل ذلك؛ منعا لحلات الفساد الإداري، مع وضع مجموعة من الدورات التدريبية تكون متخصصة وفق كل وظيفة وكل قسم، على ألا تعمم تلك الدورات على كل المؤسسات وبصورة غير مدروسة، لتقليل الوقت والجهد والمال.
كما لا بد من وضع مجموعة من الإجراءات لتقويم أداء الموظف بعد الانتهاء من عملية التدريب وقياس أداءه قبل وبعد تلقيه الدورة التدريبية ومعرفة نقاط القوة والضعف في أدائه واتخاذ الإجراءات اللازمة بذلك، إضافة إلى اطلاع الموظف على إجراءات تقويم الأداء لمعرفة نقاط ضعفه وقوته، ومن أجل زيادة الثقة ما بين الموظف وما بين القائمين على إجراءات التقويم، ومتابعة مستويات التنفيذ الفعال لإستراتيجية المؤسسات في كافة قطاعاتها، ووضع تقرير سنوي عن مدى تنفيذ أهداف إستراتيجية المؤسسات وتشخيص مكامن الخلل في التنفيذ، ونشر الثقافة التحفيزية داخل المؤسسة عبر مجموعة من الخطوات، منها تخصيص جائزة مالية أو معنوية تخصص للموظف المثالي في كل شهر كإجراء تحفيزي عن العمل والمثابرة.
موضوع حيوي
وأكدت دراسة تيشوداد كريمة، أن المنظمات المعاصرة تعيش عصر الاهتمام بالنضوج الفكري والمعرفي والتوجه نحو تحقيق النجاح الإستراتيجي، عبر مركز قوتها وانطلاقها، وهو المورد البشري، والذي لا بد من إعطائها كافة الإمكانيات والوسائل التي يمكنها من الإبداع وانطلاقا من أن أي نجاح لا يمكن تحقيقه من دون الاهتمام بالموارد البشرية، من هنا يبرز التطور المطلوب.
وتعد الإدارة الاستراتيجية عملية مدخل لمواجهة التحديات التنافسية التي يواجهها التنظيم ويمكن النظر إليها باعتبارها الخطة أو الإطـار الـذي يحقـق التكامـل للأهداف الرئيسية والسياسات والتصرفات التنظيميـة فـي كيـان واحـد متماسـك، وهـذه الإستراتيجية قد تمثل إما مدخلا عاما للمنافسة أو تعديلات وتصرفات محـددة، يـتم اتخاذهـا للتعامل مع موقف معين، ويعني ذلك أن أحد الملامح الرئيسية للإدارة الإستراتيجية هـو تبنـي المنظمة لإستراتيجيات عامة والتي تتلاءم مع أهدافها الرئيسية، ومن أمثلة ذلك استخدام المنظمة لواحدة من الإستراتيجيات العامة الثلاث المعروفة وهي التكلفة أو التنويـع أو التركيـز علـى قطاع سوقي معين، ولا تستخدم المنظمات التي تنتمي إلى نفس الصناعة إسـتراتيجية واحـدة متماثلة، بل تستخدم في العادة إستراتيجيات مختلفة، والتي تساعدها أكثر من غيرها على تحقيـق ميزة تنافسية في أسواقها المستهدفة.
وللاطلاع على الدراسة كاملة من هنا:
ويعد موضوع الإدارة الإستراتيجية من الموضوعات الحيوية في الفكر الإداري المعاصر، حيث تعمل المنظمات في بيئة تؤثر وتتأثر بها، وأن التطور المستمر الذي يشهده العالم في الألفية الثالثـة في المجال الاقتصـادي والسياسي والاجتماعي والتكنولوجي، أدى بإدارة المنظمات إلى تطوير أساليب وطرق جديدة لتتكيف مع بيئتـها وتـبني إستراتيجيات فعالة تمكن من التميز، والتي مرت عبر مراحل عديدة لتصبح إدارة إستراتيجية قادرة على تنمية إمكانياتها وفرض مكانتها وتفوقها ومواجهة هذه التحديات، من خلال التوجه الإستراتيجي للمنظمة الذي يعمل على إعطائها رسالة ورؤية واضحة والتي تمكنها من تحقيق الأهداف بفعالية، والتحليل الإستراتيجي لعوامل البيئة الداخلية والخارجية من أجل تحديد نقاط القوة وتجنب نقاط الضعف واستغلال الفرص وتجنب التهديدات، ثم اختيار البدائل الإستراتيجية المناسبة والعمل على تنفيـذها وتطبيقها بشكل فعال وتقييم مدى ملائمتها ونجاحها ووصولها إلى الأهداف المحددة.