«مكوك الأزمات» الفرنسى

شريف عطية

10:14 ص, الأحد, 18 يناير 15

شريف عطية

شريف عطية

10:14 ص, الأحد, 18 يناير 15

شريف عطية

تبدو العملية المسلحة ضد صحيفة فرنسية، ليست فحسب لإساءتها للإسلام، مرشحة للتصعيد ضد فرنسا لأسباب تتصل على الأرجح بتحركاتها الخارجية فى الشرق الأوسط، إذ تسابق الزمن لملء الفراغ الناشئ عن الانحسار الأمريكى التدريجى، لأسبابه، عن المنطقة، ما يُحمّل باريس التزامات قد لا تتفق مع طاقتها، سواء بمبادراتها الدبلوماسية إلى جانب الفلسطينيين أو بتدخلاتها بشكل أو بآخر من شمال أفريقيا (دول الساحل والصحراء- مالى وليبيا) إلى شرق البحر المتوسط (سوريا ولبنان) إلى شرقى السويس (العراق وإيران)، الأمر الذى يحرض خصومها الذين تضمهم شبكة «جهادية» ليست غير متجانسة.. للتعرض لما تعانيه فرنسا فى الداخل، سواء من مشكلات الهوية والتطرف لملايين من الشبان المسلمين القاطنين فى الأحياء الفقيرة والمنعزلة، أو لكونها تضم من ناحية أخرى أكبر جالية يهودية (نصف مليون) هى الأكبر بعد الولايات المتحدة.

فى هذا الإطار، وللحيلولة دون مضى فرنسا لاستباق الآخرين فى تجديد طموحاتها الامبراطورية السابقة، يمكن القول بنجاح (الجهاديين) المتطرفين- أو يكادون- فى تعويق الأهداف الخارجية الفرنسية عبر عمليات داخلية إرهابية متتالية.. ساعين أيضاً من وراء ذلك إلى تحقيق أهم أهدافهم منذ أحداث سبتمبر 2001، لوضع الإسلام فى مواجهة شاملة مع الغرب، استباقاً أو استدراجاً- لا فرق- لذات ما ينادى به مفكرون أمريكيون وغربيون- بأقله منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضى- عن «الصراع بين الحضارات» والثقافات، إذ يكفى أن يرتكب متشددون إسلاميون.. من «داعش» أو «القاعدة»- لا فرق- مذبحة جديدة فى مدينة أوروبية أخرى- وهو أمر وارد وغير صعب- لتتولى من ثم دول عربية إسلامية استقبال مهاجريها العائدين إليها من القارة العجوز، يشعلون وتيرة المعارضة فى بلدانهم الأصلية.

فى هذا السياق، تبدو فرنسا، والغرب بصفة عامة، وكأنها بين شقى الرحى، الإرهاب بين ظهرانيها من ناحية.. والتهديد بالتعرض للمصالح الفرنسية والغربية فى الشرق الأوسط من ناحية موازية، ما يدفع الرئيس الفرنسى- على سبيل المثال- إلى إعادة هيكلة المؤسسات الأمنية فى البلاد.. إلى جانب تحريك حاملة الطائرات «شارل ديجول» إلى الخليج للمشاركة فى العمليات العسكرية لقوات التحالف ضد «داعش» فى العراق وسوريا، محذراً من نقل الصراعات القائمة منذ فترة طويلة فى منطقة الشرق الأوسط.. إلى خارجها، مستدركاً فى كلمات لها مغزى بأن «الإسلام المتطرف ترعرع على كل أشكال الظلم والنزاعات التى لم تجر تسويتها»، ذلك فيما يعد الرئيس الأميركى ورئيس الوزراء البريطانى فى مقال مشترك بصحيفة «تايمز» عشية زيارة الأخير لواشنطن، بتشكيل «جبهة موحدة ضد الجهاديين»، فىالوقت الذى تعم فيه المظاهرات بلداناً أوروبية ضد المسلمين فى أراضيها، ما يعنى أن فرنسا ليست بمفردها فى شأن مكافحة الإرهاب فى القارة الأوروبية أو فى الشرق الأوسط، بسيان.

إلى ذلك الاضطراب الذى يمسك بتلابيب مستقبل النظام الدولى الجارى محاولات إعادة تشكيله، هل من المتوقع أن تسارع فرنسا إلى حجز مقعدها اللائق فى هذا النظام، ما يتناسب مع ديناميكية التاريخ منذ «الثورة الفرنسية» التى أهدت «الجمهورية الشعبية» إلى الإنسانية، وإلى ما يتفق مع الجمهورية الخامسة التى أرسى «ديجول» فلسفتها السياسية لرفض شتى صور الاستبداد، أم أنها ستقع أسيرة تقاليد الاستعمار الدولى الجديد العائدة للظهور بقوة؟ إلا أن الأمل معقود- ربما- إلى رؤية فرنسا ذات الإشعاعات الثقافية.. تملأ من خلالها الفراغ السياسى الدولى والإقليمى، وهو ما سوف يجيب عنه دور «مكوك الأزمات» الفرنسى فى المستقبل.

شريف عطية

شريف عطية

10:14 ص, الأحد, 18 يناير 15